يقول الشاعر الإنجليزي وليام بليك: «إذا لم يكن لديك نظامك الخاص فسيستعبدك نظام شخص آخر».
لم تعد التكنولوجيا رفاهية أو شيئاً قابلاً للتجاهل، وإنما أصبحت واقعاً حتمياً لا يمكن العيش من دونه.
وهذا أمر من البديهيات، ولست هنا في صدد الحديث عن التكنولوجيا، التي ألفناها منذ عقود قليلة، ونستخدمها بشكل تلقائي في حياتنا اليومية، من هواتف ذكية وحواسيب متطورة وتطبيقات تجعل حياتنا أكثر سهولة، وإنما أقصد التكنولوجيا الأكثر تقدماً.
والتي بثت الخوف لدى كثير من الأشخاص، لما تجلبه من تحديات تستدعي تفكيراً ودراسة معمقة لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه التكنولوجيا، والحؤول دون تحولها إلى «خطر» يهدد وظائف البشر أو يقلص الحاجة إليهم.
فهذه المسألة من أهم المخاوف، التي تراود المناهضين لأحدث ابتكارات الذكاء الاصطناعي، ومنها على سبيل المثال برنامج «تشات جي بي تي»، روبوت المحادثة، الذي اشتهر مؤخراً، وبرزت مخاوف عدة بسببه، منها خشية العديد من الأشخاص من فقدان وظائفهم أمام المد الروبوتي، لأنه أكثر سرعة في الإنجاز وإتقاناً في العمل.
وقد أثبت «تشات جي بي تي» قدرته على مضاهاة البشر في العمل الإبداعي، من خلال تأليف القصص وسيناريوهات الأفلام، وغيرها من الجوانب الإبداعية، التي كان يعتقد أنها تخص البشر، بل تخص قسماً قليلاً من البشر المبدعين والموهوبين! حتى إن كاتبين روسيين استعانا بالبرنامج المذكور لتأليف كتاب حول التحديات المستقبلية للبشر!
اليوم، يستطيع الروبوت أن يؤلف حبكة درامية مقنعة، لدرجة تصعب معها التمييز فيما إذا كان الكاتب إنساناً أو آلة!،
كما أنه يمتلك القدرة على تقليد أصوات البشر إلى درجة تكاد تطابق الواقع، وهو أمر مقلق، لأن هذه الميزة يمكن أن تحوله إلى وسيلة مؤذية، فهذا ما حدث مع إحدى العائلات- حسب ما ذكرت إحدى الصحف.
- حيث اتصل شخص ما بالعائلة، وأسمع أفرادها صوت ابنهم وهو يبكي، وطالبهم بفدية كبيرة مقابل الإفراج عنه، بينما كان الصوت خاصاً بأحد برامج الذكاء الاصطناعي، وهذه تجربة في غاية الخطورة تستدعي الوقوف عندها.
«تشات جي بي تي» نفسه تم استغلاله بطريقة سلبية، عندما استخدمه طلبة المدارس للغش في الامتحان! وهذا الأمر أقلق كثيراً من العائلات، التي لديها أبناء في مراحل دراسية مختلفة، لأن الروبوت أصبح بديلاً للتعلم، فالطالب الذي يتاح له استخدام هذا البرنامج سيكون سعيداً بإنهاء واجبه المدرسي خلال ثوانٍ قليلة، من خلال ما يقدمه له الروبوت من معلومات سريعة من دون أي عناء!
بالطبع استطاع الذكاء الاصطناعي اختصار الزمن والمسافات، وتوفير كميات هائلة من المعارف والعلوم بكبسة زر، وهو ما نأمل الاستفادة منه، من دون أن يؤثر ذلك على التحصيل العلمي للأبناء.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن «تشات جي بي تي» ليس روبوتاً مطلق الذكاء، ولا بالقدرات الخارقة التي أشيعت عنه، فقد اعترفت الشركة المطورة بسلبياته، وقالت إنه قد يعطي إجابات خطأ أحياناً أو تعليماتٍ ضارة أو محتوى متحيزاً، كما أنه قد يعطي إجابات تبدو معقولة، ولكنها غير صحيحة.
كما أكد كثير من المستخدمين هذه السلبيات، من خلال طرح أسئلة لا منطقية، والحصول على إجابات واضحة ومرتبة، ولكنها في الواقع مجرد تفاهات لا معنى لها!
أما المخاوف الأكثر خطورة من الذكاء الاصطناعي فتكمن في إمكانية استخدامه في الحروب والعمليات الإرهابية، والهجمات السيبرانية.
قد تكون المخاوف حقيقية، وبالتأكيد الحذر مطلوب في التعامل مع أي برنامج تكنولوجي حديث، لكن هذا لا ينفي أهمية هذه البرامج الذكية ودورها في تسهيل حياتنا.
وهو أمر أخذناه على سبيل المسلمات، عندما وجدنا روبوتات المحادثة تجيبنا عن أسئلتنا في المواقع الإلكترونية، ومنها مواقع إماراتية حكومية وغير حكومية، تستخدم روبوتات المحادثة لمساعدة المستخدمين، وقد أثبتت هذه الروبوتات مقدرتها على المساعدة بشكل كبير وبسرعة فائقة.
من المهم أن ننظر إلى إيجابيات الذكاء الاصطناعي، وقدرته على تحقيق قفزات كبيرة نحو المستقبل، وأن نتبنى مفاهيمه وابتكاراته، التي تنتقل بنا نحو آفاق جديدة من التقدم العلمي والتكنولوجي، لكي نستفيد من هذه الابتكارات بأفضل صورة ممكنة.
إن دولة الإمارات ماضية في عصر الذكاء الاصطناعي، ومؤمنة بالتطلعات المستقبلية للبشر، وبالإبداع والابتكار في ميادين التكنولوجيا الحديثة، وهو ما يجعلها في مصاف الدول المتقدمة، التي تسعى لتحقيق أعظم الإنجازات.
ولكن مهما كانت برامج الذكاء الاصطناعي قادرة على النجاح في المحادثات وإنشاء محتوى إبداعي يبقى إيماننا الأول بموهبة الإنسان وإبداعه، وقدرته على قيادة الذكاء الاصطناعي، واستثماره لصالحه.
* رئيس مجموعة الدكتور أحمد النصيرات للتميز والابتكار