قرية المتشائمين!

ت + ت - الحجم الطبيعي

التشاؤم معدٍ مثل فعل التثاؤب، إذ حاولت دراسة لجامعة شيكاغو الأمريكية استعراض نتائج بحثية وعلمية عن التشاؤم، فتبين للعلماء أن تحلي الآباء بالتشاؤم يسهم في انتقاله لأبنائهم.

الدراسة قدمت دليلاً على أن «78 في المئة من الآباء الأمريكيين غير واثقين بأن حياة أطفالهم ستكون أفضل من حياتهم، وذلك نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها العالم»، بحسب «سكاي نيوز»، ورغم تفهم الباحثين لدوافع التشاؤم، إلا أنهم يعتقدون أن تصرفاتهم ومعتقداتهم «معدية للأبناء».

التحدي الذي كشفت عنه تلك المحاولة العلمية، يظهر أن تشاؤم الآباء يدفع أبناءهم للتعامل مع التحديات باعتبارها «عوائق» فيختلق الأبناء الأعذار على طريقة الشماعة التي يعلقون عليها أسباباً للتهرب من مواجهة التحديات، ولحسن الحظ اتضح أن «تفاؤل الآباء يساعد أطفالهم على الازدهار والتطور».

بالفعل التشاؤم معدٍ ويشهد له واقع الحال، فالمتشائم يحث جلساءه على النظر إلى الجزء الفارغ من الكأس الزجاجية، وهم في غمرة الانهماك بلحظات مفعمة بالإيجابية. وكلما أفرط المتشائم في تضخيم الواقع أو الجزء السلبي أسهم في ميل من حوله نحو أفكاره، أو تنبيههم إليها على الأقل، فالفكرة السلبية تولد أختها وهكذا.

مثل من ينتقد واقع حكومة من الحكومات، ويفرط في نقدها وينسى جل النعيم الذي يعيشه وحرم منه مليارات البشر. عندما لا يتأخر راتبك يوماً واحداً في أحلك الأزمات العالمية وتعيش في أمن وأمان وحرية تعبير، لا شك في أنه أمر يدعو العاقل للتأمل الإيجابي بنعم الله عليه وعلى وطنه.

المتشائم يهمش الأحداث الإيجابية، ويهول من السلبية، وهناك طرق عديدة لتقليل التشاؤم في حياتنا، منها تحويل المشاعر السلبية إلى قفشات فكاهية أو حديث باسم. ومن المفارقات أن بلدة في فنلندا تعد «الأكثر تشاؤماً في العالم» حسب تقرير «بي بي سي»، فبلدة «بولانكا» هي مكان صغير لكنه اشتهر بالتشاؤم.

ثلثا من يعيشون فيه من الرجال، في حين غادر كثير من النسوة تلك البلدة. وكلما اقتربت من تلك البلدة التي يعيش فيها 2600 شخص تظهر لك لافتات صفراء كبيرة على جانبي الطريق كتب على بعضها: «هل ضللت الطريق؟ إنها بولانكا»، ولافتة أخرى تقول: «بولانكا تقترب، مازال بالإمكان العودة»! وهو شعور فطري في الإنسان، حين ينفر المرء من مجالسة المتشائمين، ناهيك عن قرية يخيم عليها التشاؤم.

ليس ذلك فحسب بل فيها منظمة غير ربحية تسمى «رابطة بولانكا للمتشائمين»، وهي المسؤولة عن مشاريع كثيرة، منها تلك اللوحات، وقد استفادت الجهات البلدية من روح التشاؤم «بإيجابية»، حيث بدأت بتسويق البلدة على أنها موطن التشاؤم عبر فيديوهات لطيفة انتشرت في الإنترنت على نطاق واسع.

وصارت تستضيف مهرجاناً وحفلاً موسيقياً للتشاؤم، في محاولة من الجميع لإثارة البسمة. والمفارقة أنهم أقاموا «حفلاً تشاؤمياً» ذات صيف إلا أنهم استبدلوا فكرة رسوم الدخول برسوم يدفعها المشاركون للخروج من هذا الحفل الخانق! وكانت تحيتهم فيها ترديد العبارة التالية بروح تشاؤمية: «حسناً، أراك لا تزال على قيد الحياة!». وهي عبارات تبدو عفوية لكنها تنم عن واقع تشاؤمي يعيشونه فهي من أكثر البلدات النائية بعداً عن المدينة.

وقد أفرط أحدهم في التشاؤم، إذ لم يعجبه شيء على ما يبدو فقال: «لا شيء ينجح هنا، ولا حتى التشاؤم»! (انتهى كلامه). لدى المتشائم انحياز سلبي نحو المساحة المعتمة من المشهد. ولذلك من البديهي ألا يأنس بوجوده الناس. وهذا ما أدركه سكان بلدة «بولانكا» الفنلندية، بعد فوات الأوان، إذ هجرها النساء إلى رحابة المدن، حيث الفرص والازدهار.. وشيء من التفاؤل.

 

Email