ما الذي يربط بين إحدى أكبر المنصات الثقافية في المنطقة، ممثلاً في الدورة الـ32 لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، وبين مفهوم الاستدامة، الذي نشأ وارتبط متصلاً بالمجال البيئي، ولماذا يحتفي الأول بالاستدامة هذا العام، وهو الذي طالما اختار شخصيات ذات تأثير استثنائي في ساحات الأدب والفكر والإبداع، لتكون محور دوراته؟

نعم، عام 2023 هو عام الاستدامة في الإمارات، ويخصص المعرض العديد من الجلسات والفعاليات الرئيسية، لمناقشة وطرح العديد من القضايا والمفاهيم الخاصة بالاستدامة، لكن الدعم الأكبر لترسيخ مجتمع مستدام، وفق المنظور الأشمل للاستدامة، يكمن في متوالية انعقاد هذا الحدث، الذي يواكب عاماً تلو الآخر، الأولويات، ويرسخ ثقافة الانفتاح على الإبداعات والأفكار والقراءات والرؤى، عبر مساحة ثرية تستوعب دون إقصاء، وتنتخب الأفضل لروادها دون تمييز، تؤمن بالكتاب، وتدعم صانعيه، روائيين وقصاصين، شعراء ومفكرين، نقاداً وأكاديميين، ناشرين تقليديين ورقميين، وغيرهم، وتوفر للقراء خيارات تتسع لـ500 ألف عنوان، أو يزيد، عبر أكثر من 1300 ناشر، مدعومة بنخبة من المؤثرين وقنواتهم، وحساباتهم على المنصات المختلفة.

لا يمكن أن تنفصل مختلف جهود الاستدامة على كوكبنا عن أثر تلك الطاقة الثقافية والفكرية والإبداعية، التي ينتجها «أبوظبي للكتاب»، بتعاقب دوراته، وهي طاقة خضراء نظيفة، صديقة للبيئة حتماً، لأنها صديقة للإنسان وجوهره وروحه وخياله، من يملك الفكر الإيجابي، والخيال الخصب، لا يمكن إلا أن يكون داعماً في جميع أفعاله لبيئة مستدامة، محافظاً على مواردها من النضوب، أو الاستخدام غير المسؤول.

لن تصل المجتمعات البشرية إلى بيئة مستدامة بخفض نسب الانبعاثات الكربونية الضارة، أو التخلص من النفايات بتحويلها إلى طاقة نظيفة، وتحلية مياه البحر باستخدام الطاقة الشمسية، وغير ذلك من الوسائل العملية الناجعة فقط، بل يجب إيلاء اهتمام موازٍ بالمنظومة الثقافية لأفراد تلك المجتمعات، حتى يكونوا شركاء في صناعة الحلول لا التحديات.

يؤمن معرض أبوظبي للكتاب، الذي ينتج هذا العام نحو 2000 فعالية مختلفة، ويستقطب مشاركات من أكثر من 85 دولة، وتؤمن معه المنصات المناظرة، أن شعلة الثقافة وجذوة الإبداع، وطاقة الحوار بين المتباينين والمتقاربين فكراً وثقافة مهما تعاظمت حرارتها، هي برد وسلام على كل المجتمعات البشرية، وهي الضامن لأن تؤتي كل جهود الحفاظ على بيئة مستدامة ثمارها، فالكاتب والشاعر والمبدع والمثقف والقارئ هم سفراء بلا حدود لبيئة مستدامة وكوكب نظيف، والضامن الأكثر موثوقية لمجتمع مستدام.. هو ذلك الوعي، وذاك الحس المنسدل من خير جليس.. الكتاب.