جريمة خيانة الأمانة.. «صورها وعقوبتها»

الأساس الذي تقوم عليه جريمة خيانة الأمانة هي خيانة الثقة، التي يحوزها المودع لديه ملكية منقول مالي، من خلال الاستيلاء على هذا المنقول المودع لديه بمقتضى عقد من عقود الأمانة، وذلك بتحويل صفته من حائز لحساب مالكه إلى مدع لملكيته، فالعبرة ليست بمجرد الاعتداء على المال، وإنما في المساس بالثقة، التي تولدت عن أحد عقود الأمانة، وبما أن سياسة التجريم هي خط الدفاع الأول لمواجهة الجريمة، والحد من خطورتها الإجرامية، وآثارها السلبية في المجتمع، فلم يكتفِ المشرع بالجزاء المدني، بل شرع نصوصاً قانونية، تجرم خيانة الأمانة، وتبين العقوبات المقررة لها، وقد نصت المادة «453» من المرسوم بقانون اتحادي رقم 36 لسنة 2022، بشأن الجرائم والعقوبات على أن: يعاقب بالحبس أو بالغرامة كل من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو مستندات أو أي مال آخر منقول إضراراً بأصحاب الحق عليه متى كان قد سلم إليه على وجه الوديعة أو الإجارة أو الرهن أو عارية الاستعمال أو الوكالة، وفي تطبيق هذا النص يعتبر في حكم الوكيل الشريك مع المال المشترك والفضولي على مال صاحب الشأن، ومن تسلم شيئاً لاستعماله في أمر معين لمنفعة صاحبه أو غيره.

أركان 

وبالتالي فإن جريمة خيانة الأمانة عبارة عن انتهاك شخص حق غيره، من خلال خيانة الثقة بينهما، ولقيام الجريمة لا بد من توافر ركنين: الأول هو الركن المادي، الذي يتكون من ثلاثة عناصر: العنصر الأول هو الاختلاس أو التبديد، ويتحقق الاختلاس بتحويل الشيء من حيازة مؤقتة إلى حيازة دائمة بنية التملك كأن يسلم شخص حاجته على سبيل الوديعة لشخص آخر، ولكن الأخير ينكر استلامه لها، ويرفض ردها لصاحبها، ويحتفظ بها، أمام التبديد فيتحقق بفعل يخرج به الأمين الشيء، الذي أؤتمن عليه من حيازته باستهلاكه أو التصرف فيه بالبيع أو الهبة أو المقايضة أو الرهن، كـ«الميكانيكي»، الذي يبيع المركبة المسلمة له للتصليح.

والعنصر الثاني هو محل الجريمة، فجريمة خيانة الأمانة يجب أن يكون موضوعها المال، وهو كل ما يمكن تقييمه بالنقود من الأشياء المادية، وكل ما يصلح محل حق من حقوق الملكية، شريطة أن يكون له كيان مادي قابل للحيازة، لأن الحقوق لا تصلح محلاً للخيانة إلا أن السندات، التي تثبت هذه الحقوق تصلح محلاً لها.

أما العقارات فيكفي لحمايتها ما لمالك العقار من حق في تتبعه في أي يد يكون، وهو يستطيع أن يرده بسهولة إذا أنكره الأمين، فإذا باع المستأجر العقار الذي يستأجره لا يعتبر خائناً للأمانة، وإن اعتبر مرتكباً لجريمة الاحتيال، والسبب في استبعاد العقار من المال محل الجريمة هو ثبات العقار، وأن بإمكان مالكه استعماله، وإلغاء أي تصرف يأتيه الحائز هذا العقار دون وجه حق.

ويلزم لقيام الجريمة أن يكون الشيء غير مملوك لمرتكب خيانة الأمانة، لأن هذه الجريمة مثلها مثل السرقة أو الاحتيال، تنطوي على اعتداء على حق الملكية، وعليه فإنه لا عقاب على المالك إذا بدد ماله، الذي استرده ممن هو بحيازته، إذ لا يتصور وقوع جريمة خيانة الأمانة إلا على مال مملوك لغير الجاني.

ولا تقع الجريمة لو كان الفاعل يعتقد على خلاف الحقيقة بأن المال الذي هو بصدد تبديده مال مملوك للغير، بينما كان هذا المال من ضمن ممتلكاته، فالعبرة دائماً بحقيقة وضع المال، وليس ما يعتقده الجاني، كذلك فإن الجريمة لا تقع إلا إذا بدد الشخص المال المودع لديه إن ثبت أنه أصبح وارثاً لذلك المال وقت تبديده، ويشترط أن يكون المال ملكاً خالصاً للفاعل حتى يستفيد به وقت الجريمة، فإذا كان الفاعل مالكاً لجزء من المال أي كان له شريك فيه فإن فعله يعد اعتداء على حق الغير في ملكيته للشيء، وتقوم به جريمة خيانة الأمانة إذا توافرت شروطها.

تسليم 

أما العنصر الثالث فيتمثل في تسليم الشيء، حيث يشترط لوقوع الجريمة أن يكون سبق تسليم الشيء إلى الجاني، وأن يكون هذا التسليم بناء على عقد من عقود الأمانة، ويجب أن يكون ذلك التسليم ناقلاً للحيازة الناقصة، وعليه لا تقع الجريمة إذا لم يكن هناك تسليم، وكذلك يجب أن يكون التسليم صحيحاً وصادراً عن إرادة حرة ومميزة، فإذا حصل التسليم من الحائز وكانت إرادته معيبة نتيجة لوقوع إكراه مادي أو معنوي لا تقع الجريمة، لكن الجاني يسأل في هذه الحالة عن جريمة السرقة بالإكراه.

والركن الثاني لجريمة خيانة الأمانة هو «الركن المعنوي»، فهي من الجرائم العمدية، التي تستلزم توافر القصد الجنائي، حيث يتطلب فيها القانون قصداً عاماً، يتمثل في اتجاه إرادة المتهم وانصرافها لارتكاب الجريمة بكامل أركانها، بالإضافة إلى قصد خاص، يتمثل في نية المتهم في التملك، وحرمان مالك المال الحقيقي منه، فإذا لم تتجه إرادة المتهم للاختلاس أو التبديد، وإنما هلك المال نتيجة إهمال أو عدم احتياط انتفت الجريمة لانتفاء القصد الجنائي، إذ لا يكفي لقيامه مجرد الخطأ.

وإذا كان الأصل العام أنه يجوز تقديم الشكوى عن جريمة خيانة الأمانة من وقت اكتشاف الواقعة إلا أن المشرع قيدها بنص خاص في بعض الحالات، فنصت المادة رقم 11 من المرسوم بقانون رقم 38 لسنة 2022، بشأن الإجراءات الجزائية، على ألا يجوز أن ترفع الدعوى الجزائية في الجرائم التالية إلا بناء على شكوى تقدم من المجني عليه أو من يقوم مكانه أو من وكيله الخاص: السرقة والاحتيال، وخيانة الأمانة، وإخفاء الأشياء المتحصلة منها إذا كان المجني عليه زوجاً للجاني أو كان أحد أصوله أو فروعه، ولم تكن هذه الأشياء محجوزاً عليها قضائياً أو إدارياً أو مثقلة بحق لشخص آخر، ولا تقبل الشكوى بعد 3 أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة، ومرتكبها ما لم ينص القانون على غير ذلك.

الأكثر مشاركة