منذ ستين عاماً، وبالتحديد في 25 مايو 1963، وقّع زعماء وقادة 30 دولة من إجمالي 32 دولة حصلت على استقلالها في القارة الأفريقية ميثاق تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بينما كان هناك أكثر من نصف هذه الدول لا يزال يرزح تحت حكم الدول الاستعمارية الأوروبية.

ولأن القارة السمراء وزعماءها الكبار التاريخيين في هذا الوقت كانوا جميعاً يسعون نحو استكمال تحرير واستقلال بقية دول القارة، فقد اتفقوا في ذلك اليوم التاريخي على تسميته «يوم حرية أفريقيا»، ثم تحول إلى «يوم تحرير أفريقيا»، ولما اكتمل تحرر كل دول القارة أصبح «يوم أفريقيا»، وهو الذي احتفلت به القارة كلها قبل أيام قليلة.

وفي عام 2002 خطت دول القارة خطوة جديدة مهمة للأمام لاستكمال مهمة التحرير التي اكتملت، بخطوات أوسع نحو التنمية والتنسيق والتوحد، فتحولت منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي.

وقد أكدت مصر منذ ثورة 23 يوليو 1952 ارتباطها التاريخي والدائم بالقارة السمراء، التي اعتبرها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في كتابه «فلسفة الثورة» (1953) الدائرة الثانية في دوائر الانتماء المصري الثلاث، تسبقها الدائرة العربية، وتتلوها الدائرة الإسلامية، وتبعت هذا جهود مصرية هائلة ومتعددة المجالات تجاه القارة السمراء، كان على رأسها دعم حركات التحرر الوطني في مختلف بلدانها، والمساهمة في دعم استقلال 34 دولة أفريقية خلال الفترة من 1952 - 1967، وهذا في ظل توثيق الصلات مع زعماء التحرر الوطني الأفريقي التاريخيين، وأبرزهم: سيكوتوري، ونكروما، ولومومبا، وبن بيلا، وسنجور.

وعلى الرغم من سوء الفهم والمعلومات اللذين دفعا بالاتحاد الأفريقي إلى تعليق عضوية مصر فيه بعد ثورة 30 يونيو 2013 والإطاحة بحكم الإخوان، فإن علاقة القاهرة التاريخية بدائرة انتمائها الثانية، والتأكد من حقيقة ما جرى في هذا اليوم الفاصل في تاريخ مصر، قد أنهيا بعد شهور وجيزة ذلك الانفصال المؤقت وغير الطبيعي، وعادت علاقات مصر بقارتها السمراء أقوى مما كانت عليه، وتعددت مجالاتها ومحاورها.

وأتى دستور البلاد لعام 2014 ليضع هوية مصر الأفريقية في الجملة الثانية من ديباجته بقوله: «مصر العربية بعبقرية موقعها وتاريخها قلب العالم كله، فهي ملتقى حضاراته وثقافاته، ومفترق طرق مواصلاته البحرية واتصالاته، وهي رأس أفريقيا المطل على المتوسط، ومصب أعظم أنهارها: النيل»، وليستكمل في الفقرة الثانية من مادته الأولى التأكيد على انتماء مصر للقارة السمراء، بأن «الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامي، تنتمى إلى القارة الأفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوي، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية».

وأعطت قيادة مصر السياسية اهتماماً كبيراً منذ عام 2014 بتوطيد وتعدد مجالات العلاقات مع أفريقيا، فمثلت زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسي الخارجية لدولها أكثر من ثلث زياراته الخارجية، وعقد في القاهرة مئات اللقاءات مع مختلف مستويات المسؤولين الكبار من دول القارة. ووصل الاهتمام والدور المصري في أفريقيا إلى أعلى نقاطهما عام 2019 عندما تولت مصر الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي.

وقد أثبتت التطورات العالمية خلال السنوات الثلاث الأخيرة أن القارة الأفريقية هي إحدى ضحايا أزمات ومشكلات لم تشارك في صنعها، ولا تتحمل مسؤولية نتائجها، فقد كانت القارة الأفريقية من أكثر الأطراف تضرراً بأزمة انتشار جائحة كورونا، وبعدها الحرب الروسية – الأوكرانية، وما ترتب عليهما من آثار اقتصادية واجتماعية وصحية باهظة التكاليف على شعوبها.

وبالتوازي مـع كل هذا، تعاني أفريقيا من الآثار المدمرة للتغيرات المناخية في أشكال شتى، بسبب التداعيات الناجمة عن إفراط الدول الصناعية الكبرى في إطلاق الانبعاثات وغيرها من السلوكيات التي تجني الدول الكبرى أرباحها، وتدفع الشعوب الأفريقية ثمناً باهظاً لآثارها.

وهنا ظهر الدور المصري المدافع عن حق أفريقيا العادل في التنمية، خلال استضافة مصر مؤتمر الأطراف لمعاهدة الأمم المتحدة (COP27) في نوفمبر 2022، حيث كان إقـرار مبدأ التعويض عن الخسائر والأضرار، ومسؤولية الدول الصناعية عن الآثار السلبية لسياساتها الصناعية والبيئية، من أهم مكاسب هذا المؤتمر لصالح الدول النامية، بما فيها القارة الأفريقية.

كما جاء تولي الرئيس السيسي رئاسة الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقي «النيباد»، وذلك خلال الفترة 2023 – 2025، ليؤكد في اجتماع قادة دول وحكومات اللجنة التوجيهية لـ«النيباد»، أولويات العمل التنموي في أفريقيا خلال العامين المقبلين، خاصة ضرورة بذل الجهد للبحث عن مصادر لتمويل التنمية في أفريقيا بعدما تعرضت له نتيجة الأزمة العالمية، والبحث عن حلول لمشكلة الديون المتراكمة، فضلاً عن ضرورة حشد الموارد لتطوير البنية التحتية، والاهتمام بمحور التحول الصناعي، مع ضرورة تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية في أفريقيا.

قارتنا السمراء: كل عام وأنت بخير ونحو مستقبل مزدهر لكل شعوبك الشقيقة.