بعد قرابة ستين عاماً من تخرجه وانخراطه العميق وشديد الثراء في أنشطة التدريس الأكاديمي والبحث العلمي والعمل العام والسياسي، كرمت الدولة المصرية العالم والسياسي الكبير الأستاذ الدكتور علي الدين هلال بأرفع جوائزها في العلوم الاجتماعية، وهي جائزة النيل التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة في مصر سنوياً ضمن عدد آخر من الجوائز، المبدعين والرواد في كل المجالات وبمختلف المستويات.
ولكي نتعرف أكثر إلى قيمة ومكانة هذه الجائزة الأرفع ضمن جوائز الدولة في مصر منذ إنشائها بقانون في سنة 1998، يكفي أن نتذكر أسماء بعض ممن حصلوا عليها في مجال العلوم الاجتماعية من دون الفروع الثلاثة الأخرى للجائزة، وهي فرع الآداب، والفنون، والمبدعون العرب فهناك على سبيل المثال، في سنة 1999 العالم والفيلسوف الكبير عبدالرحمن بدوي، وفي سنة 2004 المؤرخ البارز يونان لبيب رزق، وفي سنة 2005 الرائد الصحافي المعروف كامل زهيري، وفي سنة 2007 الباحث وعالم الاجتماع الكبير السيد يسين، وفي سنة 2010 المفكر والدبلوماسي البارز مصطفى الفقي، وفي سنة 2015 المفكر الكبير حسن حنفي، وفي سنة 2016 السياسية والقانونية البارزة ليلى تكلا، وفي سنة 2018 الفيلسوف والأكاديمي الكبير مراد وهبة، وفي سنة 2019 الأكاديمي والقانوني البارز مفيد شهاب، وفي سنة 2021 رجائي عطية القانوني والنقابي الكبير.
حصول الدكتور علي الدين هلال على هذه الجائزة الأرفع لاقى قبولاً واستحساناً واسعين في أوساط مختلف النخب الثقافية والسياسية المصرية، نظراً للمكانة التي يشغلها فيها والأدوار البارزة التي أداها طوال ستة عقود من عمره.
يعد الدكتور علي الدين هلال نموذجاً واضحاً لما يسمى جيل الستينيات في مصر، وهو الجيل الذي أنهى دراسته وانخرط في الحياة العامة بدءاً من نهاية خمسينيات القرن الماضي، وبدأ عطاؤه ومنذ هذه الفترة في مختلف المجالات. لجيل الستينيات رموزه وتجلياته في مختلف المجالات، سواء في النطاق المصري أو العربي من زمنه وحتى اليوم، ويكفي فقط للإشارة أن نتذكر في مجال الرواية والقصة أسماء مثل بهاء طاهر وجمال الغيطاني وصنع الله إبراهيم ويوسف القعيد وإبراهيم أصلان ويحيى الطاهر عبدالله، وفي الشعر صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي وعبدالرحمن الأبنودي وأمل دنقل، وفي المسرح رشاد رشدي وسعد الدين وهبة ونعمان عاشور وألفريد فرج ونجيب سرور، ذلك فضلاً عن كل النجوم الكبار في عالم السينما والغناء والمسرح والفنون التشكيلية، والذين من فرط كثرة عددهم وشهرتهم يصعب اختيار نماذج منهم.
الدكتور علي الدين هلال برز في مجاله ضمن هذا الجيل «الذهبي» ليكون واحداً من أبرز علماء السياسة وباحثيها والخبيرين فيها درساً وتدريساً وبحثاً وعملاً. منذ تخرجه في الدفعة الأولى لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في سنة 1964، وبعدها حصوله على شهادتي الماجستير والدكتوراه من كندا وعودته لمصر نهائياً في سنة 1973 بأشهر قليلة قبل حرب أكتوبر المجيدة، والعالم الكبير لا يتوقف عن تخريج دفعات متلاحقة من تلاميذه في مختلف علوم السياسة، والذين أصبحوا على مدار عقود النجوم الزاهرة في مجال البحث والتحليل السياسي في مصر والعالم العربي. وأصبحت علوم السياسة بقواعدها الرصينة، مع العالم الكبير وجيله وتلاميذ مدرسته، مفهومة ومعروفة ليس فقط لممارسي السياسة في مصر، وإنما أيضاً لأوسع قطاعات من الرأي العام الذي انتقل وعيه إلى مستويات أفضل بكثير، مع ما قدمه العالم الكبير وجيله وتلاميذه.
أسهم الرجل في نقلة نوعية هائلة سترتبط باسمه دوماً في تطور علوم السياسة مصرياً وعربياً، وفي التحليل العلمي في ضوئها للأوضاع المصرية الداخلية والعربية والإقليمية والعلاقات الدولية، بما يصلح بالفعل للقول من دون مبالغة، إنه أسس مع بعض من أبناء جيله الكبار ما يمكن أن نطلق عليه «العلوم السياسية العربية». ولكي يقوم بهذا، واصل في ستة عقود تأليف عشرات الكتب ومئات الدراسات وآلاف المقالات، وإلقاء آلاف أخرى من المحاضرات، والمشاركة في مئات المؤتمرات العلمية في أنحاء العالم، والإشراف على مئات من البحوث الجماعية والرسائل الجامعية العليا بكل أنواعها، فضلاً عن مشاركاته المستمرة والمباشرة، من تخرجه في الجامعة وحتى اللحظة، في المنعطفات السياسية الرئيسة في مصر بكل علمه وخبرته، من أجل مصلحة بلده والذي وضع هذا العلم وتلك الخبرة في خدمته طوال ستين عاماً.