زغرودة قادمة من أقصى القاعة، بهجتها تصل إلى المنصة الرئيسية، متجاوزة عشرات الصفوف، نصف بيت شعري مستعار يمتدح أحدهم، يؤكد الحالة نفسها، اسم وألقاب وكنية تعلو بحماسة. تصفيق وصيحات فرح، هواتف بالأيادي المرفوعة تلتقط لتوثق المشهد، فتتلقفه مجموعات الـ«واتس آب» للعائلة والأصدقاء، وحسابات «السوشيال ميديا»، هي بعض من عناصر رسمت أمسية تخريج طلاب دفعة 2023 بالجامعة الأمريكية بالشارقة، ذلك الحدث الذي حضرته في عطلة نهاية الأسبوع بصفتي ولي أمر.

طلاب ينهون مسيرة 16 عاماً على الأقل من التعليم الرسمي، تشكل أكثر من ثلثي عمر كل منهم، بعضهم سيستكمل مشوار تعليمه الأكاديمي بدراسات عليا، لكنهم جميعاً الآن في لحظة فرح واحدة، ممزوجة بالترقب لما هو قادم، خلف أسوار الجامعة، وبداية مشوار الحياة العملية.

توصف أحلام الشباب وطموحاتهم في مقتبل العمر بأنها «وردية»، لذلك فإن تجمع هذا القدر الكبير منها في مكان واحد كفيل بأن ينقل عدوى التفاؤل والإيجابية إلى مئات الأسر، التي تابعت بشغف فلذات أكبادهم في هذا اليوم، وقد انتشوا بعطر ورود الأمل.

بالنسبة لي، وكما هو الأمر بالنسبة لكل أب أو أم لا بد أن تمر سنوات الابن أو الابنة، التي مضت السنوات مسرعة، لتصل إلى هذه المحطة، وكأن كل ما سبق كان مجرد لحظات. لحظة الولادة.. اللحظة الأولى في أول يوم مدرسي، الأمل الذي يمر بسنوات الدراسة الأولى وما يعقبها، وصولاً إلى ختام التعليم المدرسي بجموح هذه المرحلة واضطرابها وخياراتها، فالجامعة بكدها ونضجها وكفاحها، وكأنها جميعها لحظات تصلنا إلى لحظة التخرج هذه، وقد واصل هذا المشروع البشري الجميل نموه، فصار جاهزاً لانطلاقة جديدة، تفرخ آمالاً أكبر.

خارج القاعة مشهد مختلف، فقبلة متبادلة على الجبين بين طرفي هذا المشوار، الذي يشكل بداية لطريق آخر مختلف في معترك الحياة، وحضن دافئ ودمعة فارة من المُقل، ليس كل شيء، وفي حضور الترقب، لا تتسيد أي من المشاعر الأخرى المشهد، لكنه الترقب المعجون بالتفاؤل والثقة بأن أولئك الناجحين المحتفى بهم قادرون على المضي للأمام، أكثر وأكثر، بعد أن تأهل كل منهم في تخصصه بدرجة علمية رفيعة.

احلموا كثيراً كانت واحدة من النصائح، التي وجهتها الشيخة بدور بنت سلطان بن محمد القاسمي، رئيسة الجامعة الأمريكية بالشارقة للخريجين في تغريدة لها، عبر حسابها على «تويتر»، وهي نصيحة غالية، تضمن لمن يستمسك بها السير على درب تحقيق مبتغاه، وتحقيق الإنجاز تلو الآخر.

نعم، الحقيقة تبدأ بحلم، ومن يحلم كثيراً يحقق الكثير، لا سيما حينما يكون ممتلكاً للأدوات والإرادة والشغف لذلك، وقد أثبت الخريجون بإجازتهم العلمية امتلاكهم الأولى والثانية، أما الثالثة فتؤكدها الأحلام الكبيرة والكثيرة، فلنحلم جميعاً كثيراً أحلاماً كبيرة، ولا يفارقنا الإيمان بها، والعمل على تحقيقها.