هرمون أدرينالين «المروءة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقدم سائق مصري على مخاطرة محفوفة بشتى أنواع المخاطر، عندما قاد شاحنة فيها مواد بترولية محملة بنحو عشرين طناً من البنزين وهي مشتعلة بالنيران ليدفع بها بعيداً عن محطة للوقود في محافظة قنا جنوبي القاهرة. هذا السائق ثار في شرايينه هرمون الأدرينالين فور ما شعر بأن بقاء الشاحنة هناك سيؤدي إلى وقوع انفجار هائل بالمحطة، فأخذها بعيداً، مما أسفر عن إصابته بجروح سطحية.

تلك المغامرة، لا يمكن أن يقدم عليها شخص في حالته الطبيعية لكنه هرمون الأدرينالين ذلك الناقل العصبي الذي يفرز في الغدة الكظرية يأتينا ليشكل استجابة فورية عندما تنتابنا نوبات هلع أو توتر أو إجهاد، فيؤثر في سائر أجسامنا. وهذا ما يفسر كيف يفر المرء من هول كارثة أو مطاردة حيوان مفترس بسرعة خارقة يقفز بها حواجز، وأسواراً، وشوارع، وأزقة.

ما حدث للسائق المصري «الشهم» أن هرمون «المروءة» كما يحلو لي تسميته قد أسهم في تسريع ضغط دمه، ووسع شرايينه وأوعيته الدموية ليمده بأكبر كمية ممكنة من الأكسجين لتقوية عضلاته وسائر أعضائه في مواجهة ذلك الموقف المهيب. ومن نعم الله تعالى على الإنسان أن جسمه يفرز السكر اللازم في هذه اللحظة لتوفير طاقة هائلة لتدارك المخاطر.

وقد نجح سائق شركة مصر للبترول في إبعاد الشاحنة عن كارثة محققة بعد أن أخمدت نيرانها 6 سيارات إطفاء وحاوطتها 10 سيارات لإسعاف المصابين. وذكر وكيل وزارة الصحة بمحافظة قنا، راجي تواضروس، لموقع «سكاي نيوز عربية»، أن حادثة الحريق لم يسفر عنها «سوى إصابة سائق الشاحنة وعامل في المحطة بحروق طفيفة».

ويحكي لي أحد ضباط الإطفاء العرب (في العقد الثالث من عمره) كيف هرع هو وزميله إلى الطابق العلوي في بيت التهمته ألسنة اللهب، فور سماعهما لصراخ أحد الأطفال، وتم إنقاذه بأعجوبة. وكعادة رجال الإطفاء فإنهم يجتمعون بعد كل حادثة يتدارسون ما جرى، ويراجعون كل قرار وهل تم حسب الأصول المرعية واشتراطات السلامة من عدمه. فلمحت في ثنايا كلامه أن كثيراً من القرارات لا يمكن أن يقوم بها المرء في وضعه الطبيعي لولا ذلك المثير الخارجي أو هرمون الأدرينالين الذي أسهم في حماية أعراض الناس، وإنقاذ أرواحهم، وربما حماية أموالهم وممتلكاتهم العامة والخاصة من الدمار.

ولذلك تجد قوة لكمة أو ضربة الشخص الغاضب تصل إلى أضعاف الشخص الطبيعي. ولذلك يقال إن قوة الإنسان تتضاعف إلى نحو عشرين مرة من حالته الاعتيادية. ويروى أنه من شدة تدفق الأدرينالين فإنك لا تكاد تشعر بألم الرصاصة التي اخترقت جسدك وأنت تهرول هلعاً من مطاردة مجرمين.

ليس ذلك فحسب، بل إن هرمون «المروءة والشهامة والشجاعة» يجعل المرء يقظاً ومنتبهاً طوال الوقت، حيث يرفع معدل التنفس ليجعله مستعداً للاستجابات العاطفية أو الاستجابة للمخاطر المحدقة به. وهذه مسألة يلاحظها رجال الشرطة والمحققون على قسمات وجوه الناس عموماً والمشتبه فيهم خصوصاً عندما تنتابهم نوبة هلع فتجد أن التنفس يزداد. ويظهر ذلك جلياً من حركة الصدر إلى الداخل والخارج، مع حركة العينين التائهتين ترقباً لأمر لا تحمد عقباه.

والمفارقة أن هرمون الأدرينالين يتدفق في أوج حالات الغضب التي تتطلب بسالة في الدفاع عن النفس، وكذلك في حالات الخوف من مثير خارجي. وقد أودع الخالق سبحانه فينا هذه العجائب ليحمي الإنسان مما يعترضه. ولو حمل كل منا ذلك الهرمون بهذه الكثافة طوال الوقت سيتحول كوكبنا إلى حالة من الاستنفار والصدامات التي لا تطاق. ولذلك يعلمنا بعض علماء النفس أن ندوّن انفعالاتنا فوراً على ورقة، حتى ندرك حقيقة ما ينتابنا من مشاعر ونتصرف على أساسها.

فنوبات الغضب التي تجتاح موظف البنك أو المتجر بسبب عميل «وقح» إذا ما كتبها على ورقة (أنا غضبان، مثلاً) وعد الأرقام من واحد إلى عشرة أو استعاذ من الشيطان فإن رد الفعل سيكون أخف بكثير.

والأمر نفسه ينطبق على سائر الأمور مثل تدوين «أنا غيرانة» أو «أنا أحسد الآن» هنا سيجد المرء نفسه في حالة أفضل من ردود الأفعال الفورية لأنه استوعب مشاعره الآنية. وذلك يعود إلى أن سلوكياتنا تمر في الحلقة الدائرة التالية: «فكرة» idea، و«مشاعر» feelings، و«فعل أو رد فعل» actions. فعندما ندرك أن «فكرة» النقد موجه للفعل وليس لذواتنا توقف استطرادنا في المشاعر. وإذا عرفنا مشاعرنا استطعنا أن نخفف من ردود أفعالنا قبل أن تصبح عواقبها وخيمة.

Email