التأثيرات المحتملة لتمرد فاغنر في روسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمرد مجموعة فاغنر الروسية على الجيش والدولة الروسية، يوم السبت الماضي، لم يتجاوز الـ24 ساعة تقريباً، لكن ربما يكون السؤال الأهم في هذا الحدث الخطير هو: هل انتهت القصة عند هذا الحد، أم أن هناك تأثيرات قصيرة وطويلة المدى؟!

بداية لم يكن أحد يتوقع بالمرة حدوث هذا التمرد، كل من كانوا يتابعون تصريحات قائد فاغنر أو طباخ الرئيس والقصر يفجيني بريغوجين التي ينتقد فيها قيادات الجيش الروسي، كانوا يقولون إن تلك هي شخصيته المندفعة المتحدية غير المتعودة على التراتبية والروتين الحكومي والقواعد البروتوكولية الرسمية. وجميع هؤلاء كانوا يعتقدون أن تصريحات بريغوجين النارية بحق قادة الجيش الروسي، خصوصاً اتهاماته بأنهم قصفوا مقاتلي فاغنر أكثر من مرة في مواقعهم شرق أوكرانيا، ما هي إلا تقسيم أدوار يشرف عليه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين شخصياً من أجل تشويش وإرباك القوى الغربية خصوصاً الولايات المتحدة التي تسعى دائماً إلى استنزافه وتوريطه وإغراقه في أوكرانيا حتى يخرج منها هو وبلاده بلا حول ولا قوة.

وبقدر المفاجأة في وقوع التمرد الذي هز العالم، كانت المفاجأة أيضاً في نهايته بالسرعة التي شاهدها الجميع، وربما ذلك أصاب بعض المتابعين والمحللين بالدهشة والإرباك، وجعل بعضهم يتخيل سيناريوهات غرائبية امتلأت بها ساحات ومنصات السوشيال ميديا منذ وقوع التمرد وحتى اللحظة.

وبعيداً عن شطحات وخيالات البعض فى السوشيال ميديا، فإن هناك ما يشبه التوافق على أن روسيا وقيادتها وصورتها تأثرت وسوف تتأثر بما حدث، ويصعب تصور أن تظل صورتها كما هي، لأن ما حدث لم يكن سهلاً، فالصورة الذهنية لدى كثيرين عن روسيا أنها الدولة العظمى عسكرياً مع الولايات المتحدة، ولديها أكبر مخزون من أسلحة الدمار الشامل خصوصاً النووية، وهي الدولة التي ظلت تشارك أمريكا قيادة العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 وحتى سقوط وتفكك الاتحاد السوفييتى عام 1991، وهي الدولة التي حاول ويحاول رئيسها فلاديمير بوتين تصحيح ما يعتبره خطأ سقوط الاتحاد السوفييتي وإعادة روسيا قوة عالمية كبرى مرة أخرى، تحظى بالاحترام والتقدير من خصومها قبل أصدقائها، وكان هذا هو أحد الأسباب التي قالت روسيا إنها شنت من أجلها الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022.

صحيح أن روسيا دولة ليست عظمى اقتصادياً، لكن الصحيح أيضاً أن لديها الموارد الضخمة في الصناعة والمعادن والمواد الخام الاستراتيجية والأراضي الشاسعة الصالحة للزراعة وموارد المياه. ومن أجل كل ما سبق فإن ما حدث يوم السبت الماضي يشوش هذه الصورة التي يحاول بوتين ترسيخها عن بلاده.

ما يزيد من تشوه الصورة هو النهاية الغامضة لهذا التمرد، فكيف يمكن لشخص وصفه بوتين والدولة الروسية بالمتمرد والخائن الذي طعن بلاده في ظهرها، أن يسمح له بمغادرة البلاد والتوجه إلى بيلاروسيا والعفو عن كل مقاتليه الذين تركوا ميدان المعركة في أوكرانيا، وسيطروا على مدينة مهمة في روسيا، وأعلنوا الزحف للسيطرة على موسكو وإسقاط ما وصفوه بـ«النخبة الفاسدة»؟

ثم أن التصريحات الرسمية الروسية خلال الأزمة كانت شديدة التناقض، فمرة تصف بريغوجين بالمتمرد والخائن، ومرة تصفه بأنه وطني لعب دوراً مهماً في الحرب ضد أوكرانيا. خطورة وتأثيرات كل ما سبق أنها قد تصيب العديد من المواطنين الروس خصوصاً البسطاء بالحيرة والإرباك والتشوش.

الجيش الروسي الذي توقع مراقبون في بداية العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا في 24 فبراير 2022 أنه سوف يسقط كييف خلال أيام وربما أسابيع قليلة، يجد نفسه الآن يواجه هجوماً أوكرانياً مضاداً شرساً مدعوماً بكل آلة الحرب الغربية، فما بالكم بالوضع بعد هذا التمرد، وكيف يمكن تصور الروح المعنوية والتأثيرات المحتملة على الجيش الروسي وسائر المواطنين الروس الذين اصطفوا خلف قياداتهم في بداية الحرب، وتحملوا آثار الحصار والعقوبات الاقتصادية الغربية شديدة القسوة.

لكن البعض يسأل: هل هناك محاولات غربية لاختراق الجبهة الداخلية الروسية بحيث تكون الضربة من الداخل أهم كثيراً من ضربات الخارج، كما حدث بالضبط حينما انهار وتفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 زمن ميخائيل غورباتشوف بعد شهور قليلة من سقوط حائط برلين؟

الأسئلة كثيرة، لكن العامل الأساسي هو مدى قدرة الجيش الروسي على الصمود وتحقيق انتصارات في أوكرانيا أو على الأقل عدم التعرض لهزيمة، لأن ثمنها سيكون مروعاً ليس لروسيا وحدها، بل للعالم أجمع.

 

Email