كم هو مؤلم أن نرى هذا الكم من المشاعر في يوم عيد الأضحى مترافقة مع التكبيرات في كل مكان، ونرى في الوقت نفسه إخوة في السودان يقتتلون، حتى يوم العيد.

كنا نظن أن مشاهد الدم والخراب التي رافقت سنوات ما يسمى «الربيع العربي» قد طوت صفحتها وتركت مكانها لبشائر التعافي والنهضة والنمو والازدهار. لكن قبل أن يتحول الظن إلى يقين، انفتح جرح السودان دامياً وغزير النزف شديد المعاناة.

لا يشعر المرء بفرح أي مناسبة وهو يرى أناساً يتألمون في المشافي والشوارع وخيام اللجوء ووطأة الأجواء المناخية الحارة أو العاصفة، حسبما تقرر طبيعة مكان اللجوء لمن نجا من رصاص الموت وبقي على قيد موت من نوع آخر.

ما الذي يريده الإخوة الأعداء المقتتلون في السودان؟ وما الذي يستحق هذا الأتون الملتهب الذي وضعوا شعبهم فيه؟

القيادات التي توجه حرب اقتتال الإخوة أمضت عقوداً من الصداقة والتعاون، ودخلت في منظومة حكم مشتركة، وصاغت بمساعدة الأصدقاء والأشقاء سلسلة اتفاقات تنظم عملية الانتقال إلى حكم مدني مستمر، وإذا كانت هناك قضايا عالقة، وهي دائماً موجودة في مثل هذه الحالات، فإن وسائل حلها ليست معدومة، وليس السلاح خياراً وحيداً.

السودان مر في ظروف مضطربة طيلة عقود وعلى مراحل، مر في انقلابات عسكرية وحروب مع قوات التمرد سابقاً في جنوبه، لكن وتيرة الأزمات كانت غالباً تحت سقف الاقتتال والاحتراب، حتى أن القائد العسكري عبدالرحمن سوار الذهب الذي قام بانقلاب عسكري سنة 1985، وعد بترك السلطة بمجرد انتخاب قيادة مدنية، وأوفى بوعده وترك مكانه بعد استقرار الأمور، بل إنه اعتزل العمل السياسي، تاركاً إرثاً يستحق أن يصبح نموذجاً يحتذى وقدوة يقتدى بها.

لقد ثار الشعب السوداني على حكم عمر البشير لكي يؤسس لنظام دستوري بعيد عن الأدلجة السوداء ومحاولات الجماعات الظلامية أخذ الأمور إلى ما رأيناه في الربيع المشؤوم. ومن الطبيعي أن تتنامى الآمال بأن يحظى هذا الشعب بقيادات ترفع لواء الانتقال السلس والسلمي نحو الحكم المدني الذي يفتح الآفاق لاستثمار إمكانات السودان الهائلة في التنمية ورفع مستوى المعيشة، سيما والكل يسمي السودان منذ أمد بعيد بـ «سلة غذاء الوطن العربي»ـ علماً بأن خيرات السودان أوسع بكثير من الغذاء.

الآن ثمة وساطات مستمرة ولم ترفع يدها عن دينامية البحث عن حلول، ونتمنى أن تجد آذاناً صاغية، وأن تسلك الطريق الذي يجنب الشعب السوداني مزيداً من الألم والمعاناة وبؤس الحال، وأن يجد طرفا الاقتتال حلاً يعيد اللاجئين والمهجرين إلى بيوتهم وأملاكهم.

وفي حقيقة الأمر، فإن من يتابع الشأن السوداني لا يرى الحلول معقدة أو عصية على التحقيق، حيث كانت الأمور تسير على نحو مقبول وإن كان الطريق متعرجاً. بل إن قضية الوصول إلى جيش واحد كانت تحظى بقبول الجميع، مع خلاف على الجدول الزمني، وهي ليست مشكلة كبيرة، ويمكن الوصول إلى حل وسط بشأنها.

ليس الوقت الآن لتوزيع الاتهامات وتحميل المسؤوليات لهذا الطرف أو ذاك، بل نتعشم خيراً وننسج أملاً أن نرى أن كل الأطراف السودانية حريصة على وطنها وشعبها، وأن تعود من ساحة القتال إلى ساحة الحوار، وتنقل السودانيين من الألم إلى الأمل بغد أفضل.

ومن الطبيعي أن يكون ثمة إجماع على أن الحكم العسكري مؤقت مهما طال أمده، وأن الحل في نهاية المطاف سيفضي إلى تحويل التشكيلات العسكرية المتباعدة إلى جيش واحد بقيادة واحدة تقوده من مقراتها وثكناتها ووزارة الدفاع، ليصار إلى تحديد موعد للانتخابات العامة التي تختار رئيساً وبرلماناً وتتشكل حكومة تبدأ رحلة التعافي والبناء والتنمية، ولا يستحق الشعب السوداني غير ذلك.