عندما قدم كل من قابيل وهابيل قرباناً، فتقبل من أحدهما، ولم يتقبل من الآخر، ومن المنطقي أن يكون القبول لمن لديه الكفاءة، التي أهلته للفوز، ونجد ذلك في قوله تعالى: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»، ولكن في إقدام قابيل على قتل هابيل تحول التباري بين الطرفين من منافسة إلى صراع، ربما يكون صراعاً من أحد الأطراف، ولكنه أدى إلى أول جريمة قتل في البشرية.
نافس فلاناً أي: سابقه وباراه من غير أن يلحق الضرر به.
قد يختلط الأمر لدى بعض الأشخاص في التفريق بين المنافسة والصراع من أجل الفوز، في المنافسة يسلك الأطراف سلوك متسلق الجبل، الذي يتطلع إلى وصول القمة من دون الخوف من الوقوع، متجاهلاً وعورة التضاريس، ومركزاً على خط السير الذي يتبعه، مقاوماً التحديات، متخذاً الاحتياطات واللوازم، التي تساعده على الصعود، في الصراع يبدو الشخص كمن يقود شاحنة قطع الأشجار، يقطع كل شجرة تعرقل سرعة وصوله إلى المكان، الذي يسعى إليه المتنافسون الآخرون.
هناك مقولة بليغة تقول: «ينبغي ألا تكون المنافسة على حصة من السوق ولكن لتوسيع السوق».
ترابط العلاقات في المنافسة ليست عيباً قد يؤدي إلى الفشل، وإنما هو عامل يقوي المنافسة، ومتطلب لوجود مختلف القدرات البشرية في إنجاح العمل، كلما كانت ثقة المتنافس بنفسه قوية زادت لديه القدرة على التعامل مع الأطراف الأخرى بصورة عمليه نافعة للطرفين.
هناك أبواب ومداخل تفتح للأطراف، بسبب وجود المنافسة، وتسهم من رفع المستوى التنموي، فاستغلال القدرات الفكرية وتنشيطها يسهم في استلهام صور مبتكرة لمنتج ما حسب مجال الصناعة، وذلك ما يساعد على تقديم الأفضل والمميز مع الأخذ بعين الاعتبار لمعايير الجودة والكفاءة.
الإنجاز والإنتاج من أثمن ما تقدمه المنافسة لجميع الأطراف وللمجتمع بشكل عام حتى وإن لم يحصل المتنافس على فرصة الفوز، لكنه بذلك استطاع بجدارته وكفاءته أن يثبت استحقاقه بأن يكون ضمن مراتب الريادة، وذلك عن أعماله التي كشفت الستار عن قدراته القوية في جوانب عديدة مثل الابتكار والتعامل مع الآخرين، ما يجعله مصدراً موثوقاً في مجاله.
التنافس بين البشرية موجود منذ قديم الأزل، ولذلك ما زلنا مستمرين، وما زالت جماليات المنافسة تهدينا إنجازات على كوكب الأرض مثل تطور العمران وسمو الثقافة، ولكن بتدخل الصراع واختلاطه مع مفهوم المنافسة يستمر أيضاً الدمار، وتستمر المذابح.
للأسف قد يعتقد الطرف المنتصر في الصراع الباطل بأنه رابح، وهو في الحقيقة أشد الخاسرين لقدراته النافعة، وأكثر الفاقدين لإنسانيته.