لماذا يبتسم اليابانيون؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تكاد تكون اليابان أكثر دولة في العالم عاشت تداعيات جائحة كورونا (عام 2020)، حيث أغلقت البلاد مطاراتها لفترة غير مسبوقة تجاوزت معظم دول العالم، وارتدى الشعب الكمامات لنحو ثلاثة أعوام تفادياً لتفشى أقسى جائحة في التاريخ.

وبعد طول انتظار قررت الحكومة اليابانية في مارس 2023، السماح للسكان بعدم ارتداء الأقنعة. لا يبدو أن الجميع قد تفاعل مع هذا القرار، حيث اعتاد بعض المواطنين على الكمامة الآمنة. إذ قالت هيماواري يوشيدا لـ«سكاي نيوز» البريطانية إنها لم تستخدم عضلات وجهها كثيراً إبان حقبة فيروس كورونا الذي اجتاح البلاد. الأمر الذي دفعها للاستعانة «بمدربة الابتسامة» التي تقوم بتأهيل الأفراد الراغبين في العودة إلى حيوية الابتسامة التي يبدو أنها قد فارقت محياهم بسبب الكمامات الطبية.

ما تقوم به «مدربة الابتسامة» كيكو كاوانو يتمحور حول استخدام تقنيات متعددة لإعادة الابتسامة إلى محيا المشاركين في دوراتها. فمنها وضع مرايا متعددة لتظهر وجه المشاركين، ومحاولة تدريبهم على «مط جوانب الأفواه بأصابعهم» لتمرين عضلات الوجه لتعود إلى سابق عهدها.

الابتسامة قرار شخصي، ولو اجتمعت الأمة على صعيد واحد لتدفعك للتبسم، فلن تتبسم ما لم يكن لديك الرغبة في ذلك. فالابتسامة تنبع من الداخل، فما أكثر من قرروا مسبقاً أن يستقبلوك بوجه متجهم، مهما كانت طلاقة وجهك وطلاوة لسانك. ولهذا لا استطيع أن أتخيل شعباً يمكن أن تدفعه حكومته دفعاً للابتسامة، إذا كان جل المؤشرات الدولية، تذكره بأنه في ذيل قوائم الاقتصاد والتعليم والصحة وأبسط حقوق الإنسان. ربما يبتسم الفرد هنا وهناك لكن قسوة الحياة ستنال جزئية من استمرار تلك «الضحكة الصامتة».

والأرقام تشير إلى أن ما يربو على ثلث الأشخاص يبتسمون أكثر من 20 مرة يومياً. ونحو 14 في المائة يبتسمون أقل من خمس مرات يومياً. لكن الصدمة كانت أن الأطفال يبتسمون 400 مرة في اليوم. وربما هذا ما يولد لدينا شعوراً بالتبسم عندما نحاط بالأطفال ونتأمل تعابيرهم العفوية الجميلة. وبالفعل أظهرت دراسة لجامعة إبسالا في السويد أنه من الصعب جداً العبوس في وجه شخص يبتسم، والسبب أن التبسم سلوك معدٍ ويصعب التحكم به.

ولحسن الحظ فإن التبسم يحرك 13 عضلة، في حين أن نوبات الغضب أو العبوس تحرك نحو 47 عضلة، بحسب موقع جامعة ميشيغان الأمريكية. كما أن تحريك عضلات محددة في الوجه كشد جانبي الفم باستمرار يمكن أن يثمر في تمرين عضلات الابتسامة. وقد وجد العلماء أن هناك فارقاً بين الابتسامة الحقيقية والابتسامة «الصفراء» المصطنعة يلاحظها الناظر إليها. ذلك أن من يتصنع التبسم لا تبتسم العضلات على جانبي العينين، بل ما يتحرك فقط العضلات الجانبية للفم، وهم ما ينم عن ابتسامة المجاملة الباهتة ربما لشخص لا تشاطره مودة تذكر.

مشكلة ابتسامتنا أنها تؤثر على الآخرين. فحينما نتبسم تتحكم ابتسامتنا في هرمون التوتر لدى الآخرين حسبما كشف علماء من جامعة ويسكونسن ماديسون الأمريكية. واتضح أننا حينما نستخدم ابتسامة الهيمنة والسلطة ترتفع نسبة هرمونات التوتر لدى من نخاطبه. وكانت المفارقة أن نسبة الهرمون تظل مرتفعة لنحو نصف ساعة حتى بعد انتهاء اللقاء أو المواجهة. «وعندما لجأ الباحثون إلى الابتسامة التي تعبر عن الثناء والتقدير انخفضت نسبة هرمون التوتر وعادت إلى حالتها الطبيعية» بحسب تقرير لموقع إذاعة صوت ألمانيا (دويتشه فيله).

من اليابانيين من يحاولون العودة إلى ربوع الابتسامة. كيف لا يبتسم اليابانيون، وهم يرفلون بأثواب العز والفخر التي جعلتهم في طليعة الأمم التي تصدر أحدث صرعات التكنولوجيا، والجودة، والإتقان.

 

 

Email