أفريقيا.. السباق بين التنمية والاستبداد

ت + ت - الحجم الطبيعي

سؤال: من يتغلب على من: جهود التنمية في القارة الأفريقية أم كوكتيل الحروب الأهلية والفساد والاستبداد والفقر والجهل؟!

أطرح هذا السؤال بمناسبة انعقاد قمة منتصف العام التنسيقية التابعة للاتحاد الأفريقي في العاصمة الكينية نيروبي، يوم الأحد الماضي بحضور مجموعة من القادة الأفارقة.

خلال القمة كانت هناك مجموعة من الكلمات المهمة وخصوصاً للرئيس الكيني وليام روتو والمصري عبدالفتاح السيسي ورئيس جزر القمر غزالي عثمان بصفته رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد.

المؤكد أن هناك جهوداً مهمة تبذلها بعض الحكومات والدول الأفريقية للتقدم والخروج من دائرة الأزمات المستحكمة، ومن علامات ومؤشرات وشواهد هذا التقدم المؤتمرات واللقاءات والفعاليات المختلفة التي نشهدها بين الحين والآخر سواء في قمم الاتحاد الأفريقي أو التكتلات الاقتصادية في اتجاهات القارة المختلفة، وكذلك الاتفاقيات المتنوعة وخصوصاً الاقتصادية بين العديد من كتل ودول القارة.

لكن مقابل هذه الجهود المقدرة هناك عوائق كثيرة تمنع تقدم القارة الأفريقية وحصولها على المكان الذي تستحقه بين قارات العالم المختلفة، وخصوصاً أنها تضم البلدان والسكان الأكثر فقراً وجهلاً ومرضاً وتخلفاً وتصحراً.

هذه العوائق أو المعوقات يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

أولاً: الإرث الاستعماري البغيض بأنواعه المختلفة وخصوصاً الاستعمار الأوروبي الذي احتل القارة لعقود طويلة ونهب مواردها ومقدراتها. ورغم خروجه الشكلي من القارة فإنه ما يزال يسيطر فكرياً وعسكرياً واقتصادياً على العديد من بلدانها ومواردها.

ثانياً: التحالف البغيض بين بعض الشركات الدولية الكبرى وبين بعض اللوبيات ومؤسسات الحكم في بعض بلدان القارة الأفريقية. هذه الشركات تقدم الرشى لهؤلاء المسؤولين، وهم بدورهم يسهلون لها احتكار العديد من الموارد والمواد الأولية بأسعار بخسة جداً، وهي المواد التي تعود لهذه البلدان سلعاً مصنعة بأضعاف مضاعفة من الدولارات واليوروهات.

ثالثاً: محاولات الدول الصناعية الكبرى أن تفرض على أفريقيا والعالم الثالث شروطاً مجحفة في ما يتعلق بقضية التغير المناخي. هذه الدول الكبرى هي المتسبب الأكبر في أزمة المناخ والانبعاثات الكربونية، في حين أن أفريقيا التي تساهم بأقل من 4 ٪ من الانبعاثات الكربونية العالمية تدفع الثمن الأكبر في صورة الجفاف والتصحر وارتفاع درجات الحرارة وتلف المحاصيل، وترفض الدول الكبرى حتى الالتزام بما تعهدت به من أموال للدول الأفريقية للتكيف مع التغيرات المناخية.

رابعاً: ترفض الدول الكبرى أن تلغي وتشطب أو على الأقل تخفف من الديون المستحقة على الدول الأفريقية وخصوصاً الفقيرة منها، رغم الظروف والأزمات الصعبة التي ضربت العالم وأفريقيا خصوصاً ومنها مثلاً تداعيات كورونا والأزمة الأوكرانية وارتفاع الديون العالمية، والتضخم والركود وارتفاع أسعار غالبية المواد الغذائية والطاقة والسلع المصنعة.

خامساً: هل معنى الكلام السابق أن المشكلة تكمن فقط في الاستعمار والشركات الكبرى الدولية؟

الإجابة هي قطعاً لا، لأن الأسباب السابقة بأكملها ما كان لها أن تنجح لولا مجموعة من الأسباب الداخلية الأساسية في غالبية البلدان الأفريقية.

في مقدمة هذه الأسباب، الاستبداد الشامل لعدد كبير من الأنظمة وغياب المشاركة السياسية للعديد من الفئات، الأمر الذي يقود إلى انفراد فئة صغيرة بالحكم والمقدرات وانسحاب بقية القطاعات الشعبية، والنتيجة مزيد من الصراعات التي تتحول لاحقاً إلى صدامات ثم حروب أهلية نرى العديد منها في بعض دول القارة هذه الأيام. وهذه البيئة الخصبة تقود إلى نمو الإرهاب وتغلغله، وإلى تقسيم وانفصال وتشظي بعض هذه البلدان وانهيار مؤسساتها الوطنية وخصوصاً الجيوش النظامية، ما يدخلها في دوامة من الفشل لا تنتهي إلا بتفتت الدولة وعودتها إلى مكوناتها الأولى وهي القبيلة.

ويرتبط بما سبق أيضاً استشراء الفساد الشامل في قطاعات كثيرة، ما يصيب غالبية السكان باليأس والقنوط ويدفعهم إما إلى الهجرة أو الانضمام لتنظيمات إرهابية تستغل الدين أحياناً والولاء للقيم القبلية أحياناً أخرى.

هل معنى وجود هذه المعوقات أن تتوقف عملية التنمية؟ الإجابة بالقطع هي لا. بل مطلوب زيادتها حتى تتغلب على هذه المعوقات ووضع القارة الأفريقية على أول الطريق الصحيح!

Email