جسر المرأة نحو القيادة

تتبع باحثون مئات الشركات العالمية العملاقة، لمعرفة كيف تصل المرأة لرأس السلطة، فخرجوا بنتائج مثيرة للاهتمام. إذ تبين للباحثين أن أقصر الجسور نحو تبوؤ المرأة منصب الرئيس التنفيذي في أكبر شركات العالم، كان عبر ترؤسها سابقاً للإدارة المالية أو إدارة العمليات. فليس التسويق، ولا بهرجة الإعلام، ولا الجمال الفاتن ما يؤهلها لذلك.

والمتأمل لهاتين الإدارتين يجد خلفهما قدرات فنية وعمقاً بحكم طبيعة عملهما. والإدارة المالية ربما الأكثر احتكاكاً بمجالس الإدارات، فقد يكون ذلك فرصة لمعرفة عمق المرأة ونشاطها وقدراتها الكامنة. غير أن التحدي الأكبر الذي يواجه النساء أن منصبي رئيس قطاع العمليات COO ورئيس القطاع المالي CFO مازال يهيمن عليهما الرجال في شتى أنحاء العالم، وربما هذا ما يحتاج جهد جهيد من المرأة الفذة لاختراق تلك «القبة الحديدية» إن جاز التعبير.

هذه الدراسة عرضتها «الفايننشال تايمز» وهي من إعداد شركة برودإكس BoardEx عن المسار الوظيفي career path للرؤساء التنفيذيين على مدى عشرين عاماً، في أكبر 500 شركة على مؤشر S&P وأكبر 350 شركة على مؤشر فوتسي (FTSE) ونشرت في الربع الثاني من عام 2023.

وعلى أرض الواقع أعلنت شركة الاتصالات فودافون في عام 2023، بأنها قد رقت رئيسة العمليات مارغاريتا ديلا فالي لتصبح أول رئيس تنفيذي لعملاق الاتصالات. وهي بذلك تنضم إلى نحو 13 في المائة من الرؤساء التنفيذيين النساء اللاتي تمت ترقيتهن من منصب الرئيس للقطاع المالي CFO، غير أن المفارقة هي أن بنات حواء لا يشغلن حالياً سوى ثلث هذا المنصب في بريطانيا تقريباً (23 ٪)، على افتراض أن الباقي من نصيب الذكور نحو 77 في المائة. الأمر الذي يفاقم من التحديات التي تواجه النساء الطموحات.

والأمر نفسه حدث في أكبر 500 شركة في مؤشر S&P فعندما تتبع الباحثون المسار الوظيفي لاحظوا أن الرؤساء التنفيذيين CEOs قد تم ترقية 13 في المائة منهم إلى هذا المنصب (كنساء) بعد أن شغلن منصب رئيس العمليات، وفيما كان 6 في المائة منهن على رأس الإدارات المالية.

وبالرغم من ذلك إلا أن أعداد النساء في مناصب الرئيس التنفيذي أكثر في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مقارنة بالوضع قبل خمسة أعوام، لكنها في أحسن الأحوال لم تتضاعف إلى مستويات الأرقام العشرية. حيث كان عدد النساء الـCEOs 4 في المائة عام 2018، ثم قفزت إلى 8 في المائة في عام 2023.

ولحسن الحظ، فإن النساء لايزلن يتبوأن غالبية مناصب المديرين التنفيذيين بالإدارة العليا C-Suite في قطاعات الموارد البشرية، والتسويق، والعلاقات العامة. وستجد 40 في المائة من المناصب القانونية العليا من نصيب النساء، ويتمتع النساء بنصف مناصب الاستدامة (50 ٪). غير أن الخبر غير السار بحسب التقرير أن هذه المناصب لا تأخذ الإناث إلى قمة الهرم الوظيفي!

مشكلة ما يجري، أن المرأة لا تتمتع بالخبرة التي ينعم بها معشر الرجال، الذين يصقلون في قطاعات مختلفة. هذا في أكبر وأفضل شركات العالم، حسب الدراسة، فما بالنا في العالم الثالث الذي تكابد فيه المرأة المتفانية في سبيل الحصول على حقها الطبيعي من التقدير المادي والمعنوي.

وهذا كله يحتم على متخذي القرار فسح المجال لمناصب جديدة مهمة تشغلها النساء ذوات الكفاءة. على أقل تقدير مثلما حدث في المناصب العليا في قطاع الموارد البشرية حيث بلغت النساء فيها 59 في المائة في عام 2023، مقارنة بما لا يتجاوز 42 في المائة قبل خمسة أعوام، في أكبر شركات بمؤشر فوتسي. ونحو 77 في المائة في مؤشر ستاندرز أند بورز مقارنة بنسبة 61 في المائة قبل خمسة أعوام.

وربما يقول قائل إن المرأة لا تحبذ ذلك المعترك، لكننا ندعو إلى مراجعة نسبة المتقدمات، في مراحل التقديم الوظيفي، فهي تكشف العدد الحقيقي للراغبات في خوض غمار العمل التجاري أو العام. فكثير من النساء يتم استبعادهن في مرحلة انتقاء المرشحين للوظيفة، وإذا ما تجاوزن ذلك الحاجز يجدن أنفسهن في وظائف هامشية، لا تأخذهن عبر جسور منيعة إلى المناصب القيادية العليا. وهذا ما سوف يطيل أمد معاناتهن ما لم يعاد النظر في النظرة الاجتماعية والمهنية للمرأة التي باتت تشكل نصف خريجات الجامعات في شتى بقاع المعمورة.

الأكثر مشاركة