أحمل أوراقي في يدي، وأنا على عجلة من أمري عند تلك المنصة الكبيرة المؤدية إلى إحدى أهم القاعات «جرعات وطنية»، هكذا كان اسمها في إحدى أهم الدول، التي تدعم تثمين المأثور الثقافي لكل دول العالم، وتبرزه بأساليب وتقنيات علمية متطورة. تعقد هذه الندوات مرة في كل عام، ويشارك فيها عدد كبير من الأدباء، وكل متحدث حسب المأثور الثقافي، الذي يعرف عن موطنه. طلب مني أن أسرد سيرة المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأن أسرد سر حب الشعب لهذا القائد العظيم، وعلاقته القوية بشعبه، وعن ذاك الحب وذاك الولاء والانتماء، الذي يتوارث بين الشعب والقيادة. 

فكرت لأيام ماذا يمكنني أن أسرد؟ عن حكمته أم عن مكارمه أم عن حبه لوطنه وشعبه؟ كيف يمكنني أن أشرح فكل موقف من مواقف الشيخ زايد، سواء كانت داخل الدولة أو خارجها، لا تكفي لسردها مجلدات، فالمواقف التي تحكى عن عنه تدرّس في أرقى وأقوى الجامعات.
قبل افتتاح الندوة قال المتحدث بصوت جهوري، تملأ نبرته حشرجة، وتردد الدمع في صوته: «سأفتتح الندوة بشخصية تمنيت لو أنها تولد في كل عام، وفي كل عصر من العصور، بالمغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كيف لهذا الحاكم في هذه الفترة الوجيزة أن يستطيع بناء منظومة متكاملة متواصلة حتى بعد وفاته، كيف له أن يبني قاعدة وطنية لا نظير لها حباً وانتماء لا مثيل لهما بين قادة هذه الدولة وشعبها، سر انتماء وولاء غير مسبوق؟ 

مفاهيم 
تقدمت لألقي خطابي، الذي يتمثل في الرد على سؤال المتحدث، وشرح المفاهيم، التي رسخت في قلوبنا، وقد لا تكون واضحة عند بعض الشعوب الأخرى، ولكنها عند شعب دولة الإمارات العربية المتحدة راسخة في قلوبنا، وتتوارثها أجيالنا، ولا نتعجب لها، ولا نراها من معجزات الأمم كما قد يراها كثيرون، فنحن نحصد ما نزرع، وقد غرس المغفور له، بإذن الله، القائد المؤسس حباً، فحصد حباً لا مثيل له. 

شرف 
تقدمت بخطوات فخر، ومن على ذاك المنبر تغنيت بموطني: «قبل التحية والسلام على أصحاب المعالي والسعادة من الجهات المشاركة أتشرف بأنني أحد مواطني دولة الإمارات، ومن المحظوظين، الذين أتيحت لهم الفرصة لنيل هذا الشرف، كل مواطن إماراتي يتمنى أن يرد على هذا السؤال، وأنا من على هذا المنبر أحمد الله أولاً قبل كل شيء، والحمد لله ثانياً أنني من مواطني دولة الإمارات، وللعلم بأنني عملت جهداً لهذا اليوم، وقد جهزت عرضاً متكاملاً، ولكنني سأكتفي بطرح ما رأته عيناي. استوقفني أيها السادة وأنا عند مدخل سفارة دولة الإمارات في إحدى الدول موقف قد يكون هذا رداً بسيطاً على سؤالك.
كنت عند مدخل السفارة، وفي إجراء روتيني لكل مواطن عند زيارة كل دولة توقفت للحظات، وتراجعت قدماي للوراء، بعد أن ذهلت بكم الناس، الذين اجتمعوا في مكان واحد، اجتزت الصفوف، وعند تلك المدرجات سمعت ضجيجاً مخيفاً، التفت للوراء وإذا بصوت ممتد جذبني، فاقتربت من ذلك الصوت لأستوضح الأمر، ومن بين هذا وذاك هناك ما أدخل السعادة إلى قلبي، بعد أن عرفت السبب الرئيسي وراء ذلك التجمع. كان ذاك الجمع يردد بصوت واحد: «هل لنا بهجرة إلى موطن السلام، وبلاد الأمان، هل لنا بهجرة إلى موطن الخير، هل لنا بهجرة إلى دار زايد الخير ؟».
أخذت نفساً عميقاً، تقدمت بخطوات تختلف عن الخطوات، التي دخلت بها، خطوات ثابتة، وعينان تتطلعان إلى الأمام.
وفي هذا الموقف أيها السادة رد على سؤالكم، إنه الحب والانتماء، لهذه الدولة الكريمة المعطاء، ولا يقتصر ذلك الحب على مواطنيها، ولا على المقيمين على أرضها فقط، بل وصل أيضاً إلى كل أقطار العالم. أحدثكم إذن عن قادة زرعوا حباً وعطاء في قلوب أبناء وطنهم، وفي كل مكان من العالم، فحصدوا حباً وولاء وانتماء، نضاهي به الأمم.