قبة حرارية فوق الكوكب

ت + ت - الحجم الطبيعي

المستويات القياسية لدرجات الحرارة في العديد من الدول والقارات هذه الأيام تنبئ بأن كوكب الأرض مقبل على مرحلة من التغير المناخي، ربما لم يشهدها مطلقاً في التاريخ المعروف والمسجل، وكل الأمل أن تتمكن قمة المناخ المقبلة في الإمارات «كوب 28» من التوصل إلى حلول تنقذ الكوكب من المصير الصعب الذي يحذر منه كثيرون هذه الأيام وتمنع تمدد «القبة الحرارية» فوق الكوكب.

تقول البيانات المسجلة الأسبوع قبل الماضي، إن درجة الحرارة سجلت مستويات قياسية وصلت إلى 52.2 درجة مئوية في بلدة سانبو جنوبي غرب الصين، وكسرت هذه الحرارة الشديدة الرقم القياسي الذي سجلته الصين أيضاً عام 2015 وبلغ وقتها 50.6 درجة مئوية.

الأمر لا يقتصر على الصين فقط، حيث إن غالبية البلدان الأوروبية والولايات المتحدة سجلت درجات حرارة قياسية أيضاً تراوحت بين 45 - 48 درجة، وهي درجات حرارة يمكن أن تكون عادية في بعض البلدان الأفريقية، لكنها تعتبر قاتلة في بعض الدول الأوروبية.

وفي اليابان توقعت هيئة الأرصاد أن تتجاوز الحرارة الرقم القياسي المسجل عام 2018 في مدينة كوهاغايا.

وفي الولايات المتحدة هناك توقعات أن تبلغ درجة الحرارة ذروتها في الولايات الجنوبية والغربية.

ويوم الأحد قبل الماضي سجلت منطقة وادي الموت في ولاية كاليفورنيا 52 درجة مئوية وهذه المنطقة من أكثر المناطق سخونة في العالم.

وشملت التحذيرات أكثر من 80 مليون شخص يمكن أن يتأثروا سلباً بهذه الحرارة المرتفعة.

وفي اليونان تم إغلاق العديد من المناطق السياحية خصوصاً الأكروبوليس. وطبقاً للخبراء فإن درجة الحرارة في هذا الوادي ستتجاوز أعلى درجة حرارة للجو تم قياسها بشكل موثوق فوق الأرض على الإطلاق.

هذه الموجات والدرجات القياسية في أوروبا دفعت بعض الإيطاليين لأن يطلقوا عليها «الوحش الأسطوري» وهذا الاسم مستوحى من اسم «الوحش حارس الجحيم»، كما صوره الشاعر الإيطالي الشهير دانتي اليغيري، صاحب «الكوميديا الإلهية».

ولذلك فإن الخبراء يقولون إن مئات الآلاف ماتوا بسبب ارتفاع درجات الحرارة العالمية التي وصلت إلى 48 درجة في صقلية الإيطالية.

وفي 18 يوليو الجاري دعت الأمم المتحدة إلى الاستعداد لموجات حر شديدة سيعاني منها في الأساس سكان النصف الشمالي من الكرة الأرضية.

المستشار الرفيع لشؤون الحرارة في المنظمة العالمية للأرصاد الجوية جون نيرن قال للصحافيين في جنيف: «على العالم أن يستعد لموجات حر أشد، وإن ظاهرة النينو لن تؤدي إلا لزيادة وتيرة موجات الحر».

نيرن قال أيضاً إن موجات الحر المتزامنة في نصف الكرة الشمالي زادت 6 أضعاف منذ الثمانينات وليس هناك أي مؤشر بأن هذا المنحنى سوف يتراجع، ولذلك نخشى أننا لن نصل إلى نهاية مشكلاتنا بل إن هذه الموجات سيكون لها تأثير خطير على صحة الإنسان وسبل معيشته، وبالتالي تقع على عاتق الجميع مسؤولية تبني خطط لمكافحة الحرارة الشديدة.

اللافت وربما الجديد بالنسبة للكثيرين منا هو أن الخبراء يحذرون من خطورة استمرار ارتفاع درجات الحرارة ليلاً.

ونيرن يقول إنه حان الوقت لأن يركز الجميع ليس على الدرجات القصوى نهاراً فقط، ولكن على درجات الحرارة ليلاً لأنها تشكل خطراً جسيماً على صحة الإنسان، خصوصاً الفئات الضعيفة من السكان. وأوضح فكرته بقوله إنه في الكثير من الأماكن التي تسجل حرارة 40 درجة أو أكثر فإن الدرجة تبقى قريبة من هذه المستويات عند منتصف الليل.

والسؤال ما معنى ذلك؟!

ببساطة فإن استمرار ذلك يشكل خطراً كبيراً على صحة الإنسان لأن الجسم لا يتمكن من التعافي، ما يؤدي إلى خطر زيادة الإصابة بالنوبات القلبية والوفيات.

والمفارقة أن العالم لا يعاني فقط من درجات الحرارة المرتفعة بل من خطورة الأمطار والسيول أحياناً، ففي كوريا الجنوبية تسببت الأمطار الغزيرة بفيضانات وانزلاقات أرضية أودت بحياة 37 شخصاً، وفي شمال الهند تسببت الأمطار الموسمية في مصرع ما لا يقل عن 90 شخصاً بعد موجة حر شديدة، وطبقاً للخبراء فإن هذه الأمطار صارت قاتلة لأنها تتزامن مع التغير المناخي.

السؤال: ما هي الترجمة لكل ما سبق من بيانات وأرقام؟ الإجابة ببساطة أنه مع تفاقم التغير المناخي فإن موجات الحر ليست عابرة بل ستصبح أمراً اعتيادياً خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة، وربما تزداد ضراوة.

وحذرت دراسة جديدة من أن بريطانيا وسويسرا ستكونان الأكثر تضرراً على مستوى العالم من الزيادة النسبية في «الأيام الحارة المزعجة».

السؤال الآخر: ما هي النتيجة التي سيدفعها سكان العالم نتيجة جريمة بعضهم، في حق الكوكب، والإجابة بدأنا نراها هذه الأيام.

وكل الأمل مرة أخرى أن تنجح قمة المناخ في الإمارات الخريف المقبل في وقف الإساءة إلى كوكب الأرض حتى لا يعاقبنا بقسوة لا نتخيلها.

 

Email