جدل البريكست المستمر في بريطانيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم مرور 7 سنوات على الاستفتاء الشعبي الذي خرجت بموجبه بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فيما عرف باسم «البريكست»، وثلاث سنوات على خروج بريطانيا الفعلي من الاتحاد في عام 2020، فإن الجدل حول البريكست ومكاسبه وخسائره لم يتوقف، ولا سيما مع تعدد الأزمات الاقتصادية التي تضرب لندن منذ الخروج الفعلي، والتي يرجعها الكثير من البريطانيين إلى «لعنة البريكست»، فيما عادت من جديد الأصوات التي تطالب بأن تتراجع بريطانيا عن هذا «القرار المشؤوم» من وجهة نظرهم وتنضم من جديد لأوروبا.

ففي خلال الأشهر القليلة الماضية، تعددت استطلاعات الرأي العام التي تؤكد ندم البريطانيين على التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي، فاستناداً إلى استطلاع أجرته شركة «دلتابول» وشمل 1525 بالغاً، وتم إجراؤه في بداية يونيو 2023، أعرب أكثر من 50 % من البريطانيين عن اعتقادهم بأن بلادهم كانت مخطئة في الخروج من الاتحاد الأوروبي، فيما لم تتجاوز نسبة الذين قالوا إنهم ما زالوا يؤمنون بأن هذا القرار كان هو القرار الصحيح 34 %.

كما أظهر استطلاع آخر أجراه مركز «سافانتا كومريس» لاستشارات أبحاث السوق، في فبراير 2023 اعتقاد شخصين من كل ثلاثة بريطانيين بأن «بريكست» ألحق ضرراً باقتصاد البلاد، حيث اعتبر قرابة 61 % أن مسار «بريكست» دفع الاقتصاد البريطاني إلى وضع أسوأ، فيما رأى 13 % فقط أنه أسهم في تحسين الوضع الاقتصادي. كما كشف رصد أجرته كلية لندن للاقتصاد، ونشر في مايو الماضي أن «بريكست» مسؤول عن نسبة الثلث من تضخم أسعار الغذاء في المملكة المتحدة منذ عام 2019.

قد لا تكون أزمات بريطانيا الاقتصادية المتعاقبة منذ العام 2019 نتيجة مباشرة لخروج لندن من الاتحاد الأوروبي، لكن تزامن هذه الأزمات وتواترها منذ قرار الخروج يعزز قناعة الكثيرين في المملكة المتحدة بأن هذه الأزمات نتيجة مباشرة لقرار «بريكست»، فأوضاع الاقتصاد البريطاني في تدهور مستمر منذ ذلك الحين، ولا سيما في ضوء الارتفاع المستمر في معدلات التضخم وارتفاع الأسعار وتكلفة المعيشة بصورة ملحوظة لمستها وعانت منها غالبية البريطانيين، حيث أوضحت بعض التقارير أن الأسعار ارتفعت بنسبة 25 % خلال الفترة من 2019-2023، بدلاً من مكسب بنسبة 17 % كان من المتوقع تحقيقه حال بقيت بريطانيا ضمن السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.

وأشار تقرير آخر صدر عن مركز الإصلاح الأوروبي في ديسمبر الماضي أن «بريكست» جعل الاقتصاد البريطاني أصغر بنسبة 5.5 % عن الحجم الذي كان يمكن أن يصبح عليه لو بقيت ضمن دول الاتحاد الأوروبي.

الاقتصاد البريطاني بدأ أيضاً يشهد بعض الظواهر التي لم تكن مألوفة، ومن ذلك الارتفاع الكبير في نسبة البالغين البريطانيين الذين لا يعملون ولا يبحثون عن عمل، خاصة بين أولئك الذين تزيد أعمارهم على 50 عاماً، والارتفاع الملحوظ في فاتورة فوائد الديْن، والتي تتجه لأن تكون الأكبر في العالم كله، حيث تشير توقعات وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني إلى أن وزارة الخزانة البريطانية سوف تنفق 141.2 مليار دولار على فوائد الديون في عام 2023، أو ما نسبته 10.4 % من إجمالي الإيرادات الحكومية.

الجدل الحالي لا يرتبط فقط بالاقتصاد البريطاني وأزماته منذ «بريكست»، ولكن أيضاً يدور حول مكانة بريطانيا في السياسة العالمية في ظل التنافس المستعر على ترتيب مواقع القوى العالمية في النظام العالمي، حيث يخشى البريطانيون أن يكون في خارج هذا السباق وهم وحدهم من دون باقي دول الاتحاد الأوروبي.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو: هل يمكن فعلاً أن يغير البريطانيون موقفهم ويعودوا من جديد للاتحاد الأوروبي، كما توقع رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلاده؟ الإجابة ستعتمد على مدى قدرة الحكومة البريطانية على وقف مسار التدهور الحادث في الاقتصاد، وإقناع المواطنين بالفعل بأن البريكست كان هو الخيار الأفضل والقرار الأصح لهم.. وهذا الأمر يبدو أنه لا يزال بعيد المنال الآن.

 

Email