ماذا يريد الكبار من أفريقيا؟

قبل أيام قليلة اختتمت القمة الأفريقية الروسية في مدينة سانت بطرسبورغ، وصدر بيان ختامي يتحدث عن ضرورة تعزيز التعاون بين الجانبين بما يعود بالنفع عليهما، كما يتحدث عن نوايا كثيرة جديدة.

قبل هذه القمة شهدنا في السنوات الأخيرة العديد من القمم التي تجمع بين القوى الكبرى والقارة الأفريقية.

وكانت فرنسا سباقة دائماً ومنذ سنوات في استحداث هذه الآلية وعقد القمم مع أفريقيا في العاصمة باريس، بحكم ما لدى فرنسا من ميراث استعماري طويل في القارة السمراء، لكن من الواضح أن هذا النفوذ يتلاشى شيئاً فشيئاً، وحتى الدول التي كانت تعتبر مراكز نفوذ تقليدية لفرنسا في أفريقيا بدأت تتمرد على هذه العلاقة، خصوصاً في بعض دول شمال أفريقيا أو منطقة الساحل والصحراء.

شاهدنا أيضاً أكثر من قمة أمريكية مع الدول الأفريقية، آخرها كان الأسبوع الثاني من ديسمبر الماضي. وكان لافتاً للنظر أن واشنطن وقتها حذرت أفريقيا من «دور صيني روسي مزعزع للاستقرار في القارة السمراء».

وفي أبريل من العام الماضي انعقدت القمة اليابانية الأفريقية في تونس تحت عنوان «ندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا» «تيكاد 8»، وخلالها تعهدت اليابان باستثمار 30 مليار دولار لدفع عجلة التنمية في القارة، لكن العنوان الرئيس كان مواجهة النفوذ الصيني المتنامي في أفريقيا من خلال «تنمية يقودها الأفارقة بأنفسهم»، حسبما جاء على لسان العديد من المسؤولين اليابانيين.

وفي يناير 2020 انعقدت قمة الاستثمار البريطانية الأفريقية. ووقتها احتفت الصحف البريطانية بهذه القمة، معتبرة أنها تأخرت كثيراً بعد ابتعاد لندن عن القارة السمراء، في حين أن دولاً أخرى توجهت للقارة وكونت علاقات تجارية كثيرة.

ويومها قارنت صحيفة «فاينانشال تايمز» بين هذه القمة، والقمة الصينية الأفريقية التي انعقدت عام 2018؛ حيث كانت أكبر، وشهدت مشاركة 50 دولة أفريقية، مقارنة بـ 21 دولة فقط في القمة البريطانية، ويومها أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ تخصيص 60 مليار دولار للاستثمار في القارة.

وبالطبع نعلم أن روسيا دخلت على الخط نفسه منذ «قمة سوتشي» عام 2019 حينما كانت مصر ترأس الاتحاد الأفريقي. وجاءت القمة الأخيرة أو منتدى سانت بطرسبورغ في توقيت شديد الأهمية عالمياً، فالغرب بقيادة الولايات المتحدة يحاول بشتى الطرق عزل روسيا عالمياً عقاباً لها على العملية العسكرية في شرق أوكرانيا التي بدأت يوم 24 فبراير 2022، وأظن أن الغرب بذل جهوداً كبيرة لعرقلة القمة الأخيرة، لكن من الواضح أن الأفارقة رفضوا الانصياع للأوامر الغربية، مؤكدين أن علاقاتهم الدولية تقوم على مصالحهم أولاً. وروسيا تهدف من وراء هذه القمة بالطبع إلى إظهار أن علاقاتها العالمية جيدة جداً.

ومن الواضح أن الصين هي أكثر الدول الكبرى نشاطاً في القارة الأفريقية، وهي بحكم عدم وجود ماضٍ استعماري لها في القارة تجد أرضاً خصبة في أفريقيا، ثم إنها لا تستخدم ورقة حقوق الإنسان كما تفعل دائماً أمريكا وأوروبا، وهو الأمر الذي يجد ترحيباً كبيراً من العديد من الحكومات الأفريقية، ثم إن الصين بدأت تقدم قروضاً كثيرة للدول الأفريقية من خلال «بنك الصادرات الآسيوي»، وهو البنك الذي يريد أن يكون بديلاً للبنك الدولي، في حين أن أمريكا تحاول إقناع الأفارقة بأن القروض الصينية صعبة جداً ومدمرة على المدى البعيد، وهو ما تنفيه الصين، وتقول إن العبرة بالنتائج.

إجمالاً يمكن القول إن كل القوى الكبرى تسعى لتعظيم مصالحها ونفوذها في أفريقيا، وذلك ليس عيباً بطبيعة الحال، لكن المهم هو أن تعرف أفريقيا مصالحها وتستطيع أن تتفاوض بصورة جماعية مع الكبار حتى تحصل على أفضل الشروط الممكنة.

الكبار ينظرون للقارة باعتبارها أرضاً بكراً بها العديد من المواد الخام الرخيصة لمصانعهم، وفي سبيل ذلك تفعل هذه الدول كل شيء لاستمرار نهب ثروات القارة، وأغلب الظن أنه لا يوجد فرق كبير بين الكبار إلا في اللغة والدرجة، لكن المضمون واحد، وهو استخدام أفريقيا كأحد المسارح المهمة في الصراع الدولي، خصوصاً بين الصين وأمريكا.

الفيصل الأساسي هو أن يسعى الأفارقة لتعظيم أوراق الضغوط في أيديهم حتى يحصلوا على أفضل الشروط في تعاملهم مع القوى الكبرى، فهل ينجحون في ذلك؟

سؤال مفتوح على كل الاحتمالات.

 

الأكثر مشاركة