عبر أثير الإذاعة الفرنسية الدولية «إر إف إي RFI» كان لي حوار منفرد، ومختلف عن غيره، له من المواصفات ما قد يجعله الأول من نوعه في تاريخ الإذاعة الفرنسية. كان مضمونه تلخيص الفكر السياسي والثقافي والأدبي لأهم شخصيات يذكرها التاريخ، وبعد إحصاءات وقع الاختيار على أهم شخصية يذكرها التاريخ اليوم في العالم أجمع.
أعلنت الإذاعة الفرنسية أن أهم شخصية يذكرها التاريخ اليوم هي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بناء على إحصاءات عن مكانة وشعبية زعماء وملوك العالم، فقد أجمع على ذلك الكل بصوت واحد، وبمختلف اللغات.
أي حمل أدبي رفيع هذا، أخذت نفَساً عميقاً، لأعيد ترتيب أوراقي، أشعر بأن عقلي بدا كملفات الجاحظ الشهيرة، أحتاج إلى أن أستأجر مكتبات الوراقين، وأبيت فيها، كما كان يفعل للقراءة والنظر، وأذكر مقولة «ابن يزداد» حينما وصفه وصفاً يدل على سعة اطلاعه، وحجم ثقافته، حيث يقول: «هو نسيج وحده في جميع العلوم، علم الكلام، والأخبار، والفتيا، والعربيَة، وتأويل القرآن، وأيام العرب، مع ما فيه من الفصاحة»، وأنا أحتاج اليوم أيضاً كل هذه الملكات الفريدة، قبل أن أخوض أمواج الأثير، للحديث عن جوانب من إنجازات ومكانة هذا الرجل العظيم، وأن أبحر في سمات هذه الشخصية الكريمة.
وعلى الرغم أن هذا اللقاء له أثر كبير في نفسي، ونفس كل مواطن إماراتي وعربي، إلا أن لضخامة المهمة أيضاً من الرهبة ما له أثره على القلوب، فللمرة الأولى أوضع في موقف بهذه الجسامة، أي حمل أدبي ومعنوي هذا فعلاً ؟
هل أنت جاهزة ؟
لم أشعر بدقات قلبي، ولا بخطوات قدمي، وما إن وصلت إلى موقع الحدث حتى اختفى التوتر، وأخلفه شعور محفز لم أستشعره من قبل، شعرت بنشوة النصر، نشوة فخر وعز وتباهٍ.
توالت دقات قلبي ونبضاته نحو تلك السلالم المؤدية إلى قوس النصر، شعرت حينها بأنني أصعد السلالم للمرة الأولى في حياتي، أو كأني كذلك الطفل الرضيع، الذي يبدأ خطواته للمرة الأولى، يخشى الوقوع عند أطراف كل عتبة، رفعت رأسي إلى أعلى عتبة تصلني إلى ذاك السطح في شعور لا أستطيع سرده في مزيج من تقطع، وتردد الأنفاس، وما إن وصلت إلى القمة وفتحت عيني حتى دقت الأجراس ورفع الستار، 8 دقات تؤكد أنها الساعة الـ 8، وبدأت أضواء مدينة باريس تحتفل بهذا الأثير.
إذن تشير الساعة إلى الـ 8 مساء بتوقيت مدينة باريس، ونحن بالتحديد على رأس قمة قوس النصر الشهير الذي يقع على رأس طريق الشانزليزيه في ميدان شارل ديغول، مرفوعاً على مجموعة من الأعمدة، وقد يختلف التصميم والشكل، ولكنه ثابت من حيث المبدأ. والقوس مبني ليكون صرحاً أو رمزاً يخلدون فيه انتصاراتهم، أو أحياناً ترفع من أجل حاكم أو ملك، وهنا تحديداً لب الموضوع.
قال لي:
من هنا سيدتي تقدمي خطوتين، صعدنا إلى سطح ذاك القوس، وعبر أثير الإذاعة الفرنسية انطلقنا.
قال لي:
خذي الميكروفون، ومن على هذا الصرح أخبرينا مع من، وأين نحن الآن؟
وللعلم: يقفل الميكروفون من أثير العالم أجمع، ويبقى هذا الذي بين يديك «أثير الصوت المسموع»، كلنا في ترقب لحديثك، وفي لهفة وشغف للاستماع عن هذه الشخصية العظيمة.
فتحت عيني من أعلى قمة هذا الصرح، ترى عيناي منظراً يثلج الصدور، ويسكن في القلوب الرضا والاطمئنان، وذلك بأننا نملك ما لا يملكه العالم، هذا التجمع الهائل، الذي تقشعر له الأبدان على مدى البصر، منحنا العالم كله الأسماع والاهتمام والوجدان، لأننا نتحدث عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آلِ نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.
سيدتي: هنا مقعد واحد فقط وهذا الحشد من مختلف البلدان والجنسيات والأديان والألوان يختلفون في الكثير ويتفقون على حب هذا الرجل فكلنا نعيرك آذاناً صاغية.
بصوت جهوري يصل إلى العالم أجمع وتنصت له الدنيا كلها طوعاً بدأت حديثي: إن الحديث عن سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد لشرف كبير، وهذا أعز علي من نفسي، أقربها وأغلاها على قلبي.
ولسيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد مواقف، استفاد منها الكثير من الدول المنكوبة، وأسهمت في نمو وتطور العديد من المجتمعات بشكل كبير وملحوظ، وسعى سموه دائماً إلى ترسيخ السلام العالمي.
وتقديراً وامتناناً لجهود رئيس الدولة في إغاثة الدول والشعوب، ونشر ثقافة التسامح والسلام، فاز صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بـ3 جوائز عالمية في عام 2021 هي: وسام «رجل الإنسانية»، وأفضل شخصية دولية، كما كرم معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى سموه في حفل توزيع جائزة «رجل الدولة- الباحث»، بمدينة نيويورك، يوم 18 نوفمبر 2021، ووصف المعهد الشيخ محمد بن زايد بأنه شخصية «جريئة وذو رؤية ثاقبة»، حيث قاد طريق السلام بين الإمارات وإسرائيل.
وأنا في سرد متواصل عن إنجازات ومواقف سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، قاطعني أحد الحضور، وقال: هل لك أن تعرضي استراتيجية هذا القائد العظيم لعلنا نستلهم ما يملأ دولنا بالسلام، الذي نفتقده كما تنعمون به،بفضل سياسة قائدكم الحكيم ودولتكم المستقرة المزدهرة.
انطلق لسان المتحدث، من غير تردد، طرق على الميكروفون وأنا من أعلى ذاك القوس وعيناي تجوبان الجميع، ملايين الشعوب تعبر عن حبها لسيدي، منهم من يرسم صورته، ومنهم من يتغنى بأصوات ولغات وأغانٍ شتى، ولكل منهم دواعي شعورهم الإيجابي.
استمر الحديث من غير توقف من شخص لشخص آخر، ولم يسرد لساني غير افتتاحيتي لهذا الحدث العظيم، وتركت الميكروفون لهم، كل منهم يتجلى في داخله حب عظيم.
وقبل أن نختتم هذه الليلة المتميزة كانت هناك مداخلة صاحبها من إحدى الدول: «ما هذه الاستراتيجية العظيمة... هل لك الإجابة عن هذا السؤال؟».
سيدي، هذه ليست استراتيجية مدروسة فحسب، وإنما هي نموذج إرشادي، ومثل أعلى في فن السياسة للعالم أجمع.
رفع ذاك الحشد السلام الوطني الإماراتي، وردد الجميع بصوت يقع في نفوسنا صوت أجراس، يبعث فيها صوت نغمات، ويضرب على أوتارها الألحان، فتدق الطبول في داخلنا، وتخرج من حناجرنا نبرات، وتندمج معها العبرات، وتتداخل الألوان، وتعكس وتختلط بخيوط ذلك العود، ويعزف عليها أجمل الألحان، وترفع الأعلام، وترتفع الأصوات «عيشي بلادي عاش اتحاد إماراتنا». أخذت نفساً عميقاً على هذا المشهد العظيم.
بِغبطة غامرة ودعاء يتوهج في صدري «اللهم احفظ بلادنا دولة الإمارات العربية المتحدة، وقائدنا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وأدم على وطننا الاستقرار والازدهار».