كيف نقطع الطريق على المتربصين؟

في أوائل التسعينيات قيل إن الخبر الذي لم تنشره فضائية «سي إن إن» الأمريكية لم يحدث ولم يقع أصلاً!!، دلالة على أهمية وقوة تأثير الفضائية الأمريكية التي شغلت العالم وقتها، خصوصاً تغطيتها المتميزة للأحداث في هذه الفترة، ومنها غزو صدام حسين للكويت عام 1990، والحرب التي شنها ضده تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة عام 1991 لتحرير الكويت.

حينما وقعت المذابح العرقية في رواندا وبوروندي «من أبريل إلى يوليو 1994» بين قوميتي الهوتو والتوتسي، فإن العالم لم يعرف بها كثيراً، إلا بعد أن سلطت CNN الأضواء عليها، وبعدها بدأ الرأي العام الدولي يتحرك للضغط على المتحاربين لوقف الإبادة الجماعية.

السؤال: هل هذه الظاهرة لا تزال موجودة؟ والسؤال بصيغة أخرى: هل لو اتفقت كل وسائل الإعلام التقليدية في العالم بأكمله على عدم نقل حدث ما، سيؤدي ذلك إلى عدم معرفة الناس به سواء في المكان الذي وقع فيه أو في محيطه؟

الإجابة القاطعة هي لا، وبسبب وسائل الإعلام التقليدية عموماً، ووسائل التواصل الاجتماعي خصوصاً، لم يعد ممكناً إخفاء أي خبر مهما كانت خطورته.

التقييد قد يخفف من انتشار خبر معين، لكن لا يستطيع منعه تماماً، والسبب ببساطة أن أي إنسان عادي وبسيط يمتلك هاتفاً متواضعاً، به كاميرا عادية جداً، يمكنه أن يصور ما يشاء ويضع ذلك على صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، وهو ما يقود إلى انتشار الخبر، خصوصاً إذا كان مهماً أو مثيراً.

اليوم لا أتحدث عن القواعد الأساسية والمهنية للصحافة والإعلام، كما لا أناقش هل السوشيال ميديا وسائل إعلام، أم لا تزال وسائل تواصل اجتماعي؟

القواعد المهنية معروفة ولن تتغير في جوهرها، خصوصاً قواعد الدقة والموضوعية والمصداقية والتحقق، لكن النقطة الجوهرية هي أنه كلما عجزت وسائل الإعلام العادية، سواء كانت مقروءة أم مسموعة أم مرئية، عن القيام بواجبها الطبيعي، وهو إخبار الناس بما يقع من أحداث، فإن السوشيال ميديا ستتقدم لتأخذ هذه المهمة، وربما تفعلها بصورة غير مهنية، وهنا الخطورة الكاملة.

عدد كبير من الأخبار في المنطقة والعالم لم نعد نعرفه من وسائل الإعلام التقليدية، بل من صفحات «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» وبقية وسائط التواصل الاجتماعي، وبالتالي وجب على الجميع، خصوصاً الحكومات والهيئات والمجالس والنقابات المعنية بالصحافة والإعلام، أن تدرس معاً وبهدوء طرقاً عملية تقود إلى معالجة مثل هذا النوع من القضايا.

المسألة باختصار أن وسائل الإعلام التقليدية تتجاهل أحياناً بعض الأخبار أو تنشرها لكن متأخرة أو ناقصة أو مبتسرة، والنتيجة أن أطرافاً أخرى تتدخل وتنشر معلومات قد تكون خاطئة تماماً، أو مشوهة أو مغرضة، وهنا فإن الذي سيدفع الثمن هو نحن العرب في حالات كثيرة.

تخيلوا مثلاً أن يقع حدث ما في مكان ما، ولا تقوم وسائل الإعلام التقليدية بدورها الطبيعي في نقل هذه التطورات، والذي يحدث أن فيديو بسيطاً لشخص موجود في مكان الحدث يمكن أن يتحول إلى وسيلة الإعلام الأساسية. وفي غياب المنافسة فإن هذا الفيديو أو الصورة أو الخبر يمكن أن يقود إلى توجيه الرأي العام بطرق شديدة الوعورة. وهذا الأمر ينطبق على الكثير من قضايا الصراع بين أطراف عربية وإسرائيل.

معظم الحكومات العربية لا تسارع بتقديم المعلومات أو حتى البيانات المطلوبة، في حين أن الطرف الإسرائيلي يغرق الفضاء العام بكم هائل من البيانات والمعلومات، وقد يكون معظمها مضللاً، وفي غياب وجهة النظر الأخرى أو ضعفها أو صغرها، تتحول الساحة إلى ملعب يمارس فيه الإسرائيليون كل أنواع التضليل.

وجهة النظر التي أراها صحيحة أنه مع تعاظم دور السوشيال ميديا، فلماذا لا يكون النقاش موضوعياً في البحث عن طريقة تقدم المعلومات للناس بهدوء، وفي الوقت نفسه لا تجعل الأطراف الأخرى المتربصة أو المتآمرة في الداخل والخارج تمارس عملها بكل أريحية، ولماذا لا تكون وجهة نظرنا، نحن العرب، موجودة دائماً في القصة حتى نقطع الطريق على المتآمرين، والأهم حتى نحمي مواطنينا من التأثر بحرب الشائعات المستمرة ضدنا؟

لا أكتب عن حدث معين أو بلد معين، بل عن حالة عربية تتكرر كثيراً بين الحين والآخر في بعض الدول العربية، خصوصاً التي تعيش مشاكل صعبة سياسية واقتصادية واجتماعية، وأتمنى أن يتعامل معها المجتمع بجدية وواقعية وفهم، حتى لا نستمر في مسلسل الخسائر المجانية.