محمد بن راشد واستئناف مسيرة الحضارة العربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الإنسان الكبير هو الإنسان الذي يحمل في قلبه هموم أمته وآمالها الكبرى، وكل قائد يحمل أمانة المسؤولية في هذه الأمة مطالبٌ ببذل أقصى الجهد في سبيل إنعاش الذاكرة وبناء الشخصية العربية من خلال تنمية الحسّ الصادق بالاعتزاز بالدور الحضاري العظيم الذي كان لأمّة الإسلام خلال ثمانية قرون كانت هي سيدة العالم في القرون الوسطى في جميع مجالات الحياة، ولم تكن القوة العسكرية هي المظهر الوحيد للقوة بل كانت أمة الإسلام هي سيدة البر والبحر في الثقافة والعلم والاقتصاد والبناء الحضاري الشامل الذي تجلى في حواضر الإسلام الكبرى، ابتداء من جزيرة العرب حيث احتضنت الدين الخاتم وترسخت معالمه في مكة والمدينة قبل أن يمتد الإشعاع في جميع الاتجاهات إلى دمشق وبغداد والقيروان وقرطبة وغرناطة وسمرقند وبخارى، لتكون هذه الجغرافيا الهائلة هي الهوية الحضارية لأمة الإسلام وفرسان الجزيرة الشجعان الذين امتطوا صهوات خيولهم وانطلقوا مثل الشهب الثاقبة ينشرون النور والعلم بين بني الإنسان دون تمييز أو عنصرية أو إكراه.

ومن بين القادة الكبار الذين يحملون هموم الأمة في سياقها الحضاري، يبرز صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في طليعة العاملين بكل جهد وإخلاص في سبيل بعث مجد العرب واستئناف مسيرة الأمة في البناء الحضاري الشامل، ويجمع على نحو متفرد بين الرؤية النظرية لهذه القضية وآفاقها التطبيقية العملية، حيث يركّز في أحاديثه وكتاباته على موضوع مجد العرب، ويسعى بكل جهد لاستعادة لحظة البريق والألق التي كانت لهذه الأمة الماجدة، بل إنّ هواياته الشخصية تندرج في سياق هذه الرؤية الشاملة، فهو الذي بذل الغالي والنفيس في سبيل استعادة الخيل العربية الأصيلة وإعادة توطينها في مهدها الأصيل من جزيرة العرب ضارباً بذلك أروع الأمثلة على الجمع النادر بين الفكرة والتنفيذ.

في هذا السياق من الاهتمام الجادّ من لدن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أعلن في 4/1/ 2022 عن إطلاق مبادرة «نوابغ العرب» بمناسبة قرب افتتاح متحف المستقبل الذي يُعدّ واحداً من روائع العمارة العالمية الدالة على عمق الذكاء الهندسي الباهر، حيث سيحتضن هذا المتحف المتميز مشروع المبادرة في أكبر حراك عربي يقوده المتحف للإشراف على النوابغ العرب المتميزين من العلماء والمفكرين والمخترعين والمبتكرين في جميع المجالات، حيث تسعى المبادرة على وجه التحديد إلى تحديد أهم 1000 نابغة عربي خلال خمس سنوات في مجموعة من المسارات العلمية المتميزة التي تشمل الفيزياء والرياضيات والبرمجيات وعلوم البيانات والاقتصاد والأبحاث العلمية، وغير ذلك من المجالات، مع توفير الدعم الكامل لهم علمياً وبحثياً، حيث تم تخصيص مئة مليون درهم لتنفيذ الرؤى المستقبلية لهذا المشروع الحضاري الطموح.

وتعبيراً عن متابعة صاحب السمو لهذه المبادرة الكبرى واهتمامه بمحتواها كتب تغريدة جميلة على حسابه في منصة «إكس» («تويتر» سابقاً)، أعاد فيها إلى الأذهان أهمية هذه المبادرة حيث قال: «نوابغ العرب مبادرة أطلقناها لدعم واحتضان العلماء والمواهب العربية المتميزة في الطب والهندسة والاقتصاد والتقنية والعمارة» معبّراً بهذه العبارة الرشيقة عن جوهر العمل الذي تقوم به هذه المبادرة المتميزة من احتضان المواهب ورعايتها ودعمها بكل قوة في مجالات محددة تشكل عصب الحياة المعاصرة، ويحتل المشهد فيها أمم أخرى يعمل العرب في بلادهم بسبب قلة الدعم في أوطانهم، فجاءت هذه المبادرة من صاحب السمو لتلمّ شمل هذه الكواكب المتناثرة في سماء العالم، وليجعل منها مجرّة عربية صادقة الانتماء للأمة وتاريخها الحضاري الزاهر عبر مسيرتها التاريخية الطويلة.

«بدأنا الاستثمار في النوابغ في بلادنا منذ مدة، ورائد الفضاء سلطان النيادي أحدهم»، في هذا الجزء من التغريدة يؤكّد صاحب السمو على أنّ هذه المبادرة ليست من قبيل فتح المكاتب وبناء العمارات، بل هي مبادرة عملية تنفيذية تقوم على استثمار المواهب ودعمها والزجّ بها في المشهد العالمي، ثم تلطّف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد فأشاد بواحد من فرسان الإمارات هو رائد الفضاء الشجاع سلطان النيادي كواحد من المواهب التي تلقت دعماً سخيّاً حتى وصلت إلى هذه المنزلة العلمية الرفيعة التي سمحت له بأن يكون أحد رواد الفضاء العرب المشاركين على محطة الفضاء الدولية التي هي معجزة الإنسان الصناعية في العصر الحديث.

«واليوم نستثمر في جميع أبناء المنطقة، هدفنا استعادة الأمجاد العلمية العربية، وترسيخ أهمية العلماء في مسيرة المنطقة التنموية، والعمل على استئناف الحضارة العربية» وبكلّ هذا الوضوح والنبرة الواثقة يختتم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذه التغريدة الثمينة، فهو يوسع إطار الاستثمار في الشباب العربي بحيث لا تكون المبادرة مقتصرة على شباب الإمارات، بل هي مبادرة واسعة المدى تشمل جميع أبناء الأمة لأنّ مجد الأمة لا يمكن تجزئته، ولأنّ الهدف في غاية الوضوح: استعادة الأمجاد العلمية للأمة العربية، تلك الأمة التي كانت على مرمى خُطوات قِصار من مدار العلم الحديث، لكن حالة الغفلة والسبات والضعف الحضاري داهمتها على حين غِرّة، فطارت الشعلة من يدها وذهبت إلى الغرب الأوروبي الذي انتهز الفرصة وأعاد تشكيل العلم والعالم ببصمته الخاصة، فكان ذلك واحداً من أعظم دواعي الأسف والحسرة على مصير الأمة العربية، وكان ذلك من أعظم الحوافز في قلب صاحب السمو لاستعادة تلك الحقيقة التاريخية الناصعة الحضور، فهو يدرك الدور الكبير المنوط بالعلماء في صناعة النهضة ودوران عجلة التنمية، فكلّ حضارة لا تتأسس على المعرفة فهي إلى الزوال والتلاشي أقرب، لذلك جاءت هذه المبادرة الكبرى لاستئناف مسيرة الحضارة العربية التي قدمت واحداً من أروع النماذج الحضارية عبر المسيرة الإنسانية الزاهرة، ولتكون شاهد صدق على الرؤية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الذي نذر نفسه لخدمة هذه الأمة وترسيخ مكانتها بين الأمم والشعوب.

Email