النموذج الإماراتي في العمل الإنساني العالمي

يحتفل العالم في 19 أغسطس من كل عام باليوم العالمي للعمل الإنساني، وهي مناسبة مهمة لتكريم العاملين في المجال الإنساني في جميع أنحاء العالم الذين يسعون جاهدين لتلبية الاحتياجات الإنسانية المتزايدة للمجتمعات البشرية في ظل ظروف صعبة واستثنائية تهدد حياة الكثيرين منهم، كما أنها مناسبة أيضاً لإلقاء الضوء على واقع العمل الإنساني الدولي الذي بات يواجه تحديات كبيرة ومتنوعة سواء نتيجة تنامي وتعدد الصراعات الدولية والأهلية التي تشهدها العديد من مناطق العالم، بكل ما يترتب عليها من تداعيات إنسانية خطيرة تعكسها موجات الهجرة الخارجية والنزوح الداخلي وانضمام ملايين متزايدة من البشر لقائمة الأشخاص الذين في حاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، أو نتيجة تطرف الظواهر المناخية التي يشهدها عالم اليوم، من ارتفاع ملحوظ في موجات الحرارة والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات والتصحر، والتي أدت أيضاً إلى تنامي ما أصبح يعرف باسم «الهجرة المناخية»، وفاقم الأوضاع الإنسانية في كثير من مناطق العالم.

وطبقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، فإنه يوجد حوالي 235 مليون شخص في حاجة للمساعدات الإنسانية والحماية (إحصائيات عام 2021)، حيث وصل معدّل الأشخاص المحتاجين للمساعدات الإنسانية إلى شخص واحد من أصل كل 33 شخصاً حول العالم، ما يُعد زيادة كبيرة من معّدل واحد إلى كل 45 شخصاً في عام 2020، الذي كان الأعلى منذ عقود.

وارتفع عدد الأشخاص الذين يصنفون على أنهم في أمس الحاجة للمساعدة إلى 160 مليون شخص في 56 دولة، وهو ما يتطلب مساعدات بنحو35 مليار دولار أمريكي، وبطبيعة الحال فإن هذه الأرقام في ازدياد، ولاسيما في ضوء ما شهدناه من زيادة ملحوظة في الصراعات والأزمات الدولية والأهلية لاحقاً كما حدث في أوكرانيا والسودان والنيجر وغيرها.

هذه الإحصائيات والتطورات توضح بعضاً من ملامح الصورة المأساوية للعمل الإنساني العالمي، والحاجة الماسة لتعزيز التعاون الدولي لمواجهة هذه الأوضاع.

وهنا تبرز دولة الإمارات العربية المتحدة بصورة خاصة باعتبارها نموذجاً لما ينبغي أن تقوم به الدول في مواجهة هذه التحديات الإنسانية العالمية، ومحاولة التخفيف من تبعاتها ووطأتها على المجتمعات المتضررة والمنكوبة، ففي كل أزمة أو حالة طارئة تجد المساعدات الإنسانية الإماراتية حاضرة وبقوة.

ظهر ذلك بوضوح في المساعدات الإنسانية التي قدمتها الدولة للمتضررين من الحرب في أوكرانيا، والمتضررين من الصراع في السودان الشقيق جراء الحرب الأهلية الدائرة هناك، وقبل ذلك المساعدات التي قدمتها للمتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا، والنموذج الرائد في الدعم الإنساني الذي قدمته لعشرات الدول خلال جائحة كوفيد-19، وإعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة ،حفظه الله، خلال مشاركته في «مؤتمر التنمية والهجرة» الذي عقد في روما، مساهمة دولة الإمارات بمبلغ 100 مليون دولار لدعم المشاريع التنموية في الدول المتأثرة من ظاهرة الهجرة غير النظامية، وغير ذلك الكثير الذي يصعب حصره.

ووفق الإحصائيات الرسمية فقد بلغ إجمالي قيمة المساعدات الخارجية التي قدمتها دولة الإمارات خلال الفترة منذ بداية 2021 وحتى منتصف أغسطس 2022 نحو 13 مليار درهم.

الجهود الإماراتية تبدو نشطة أيضاً في مسار آخر لتخفيف وطأة الأزمات الإنسانية، وأعني بذلك الأزمات الناجمة عن ظاهرة التغير المناخي، ولاسيما ما يعرف باسم ظاهرة «الهجرة المناخية»، حيث تنشط الدبلوماسية الإماراتية على كل المستويات من أجل ضمان نجاح مؤتمر كوب 28 في الخروج بنتائج استثنائية تنقذ الكوكب من المخاطر المتزايدة التي يسببها التغير المناخي، في وقت تتبنى الدولة الكثير من المبادرات التي تعزز الاستدامة الداخلية وتحقيق الحياد الكربوني.

وبينما يظل العمل الإنساني أولوية أساسية ضمن أولويات السياسة الخارجية الإماراتية خلال نصف القرن المقبل، فإن التحديات الإنسانية العالمية المتزايدة تتطلب تضافر الجهود الدولية لمواجهتها والاقتداء بالنموذج الإماراتي الذي يعلي القيم الإنسانية على ما عداها من اعتبارات أخرى في العمل الداخلي والخارجي.