جاء قرار تجمع «بريكس» في قمته الأخيرة بجنوب أفريقيا بضم ست دول جديدة كأعضاء أساسيين فيه، لكي يمثل انطلاقة جديدة حقيقية لهذا التجمع الآخذ في التوسع والتطور.
ويأتي هذا القرار بالتوسع ليكون الأكبر والأهم منذ عقد أول قمة للتجمع عام 2009 بعضوية أربع دول (روسيا – الصين – الهند – البرازيل)، وأضيفت إليها في العام التالي جنوب أفريقيا ليتخذ التجمع اسمه من الحرف الأول لكل دولة.
ومنذ ذلك الوقت وحتى ما قبل اندلاع الحرب الروسية – الغربية على الأراضي الأوكرانية بقليل، ظل تحرك التجمع في الإطار العالمي متمهلاً ويشوبه الحذر وأحياناً البطء.
إلا أن حالة الاستقطاب الدولية الكبيرة التي رافقت هذه الحرب والمتواصلة حتى اليوم، ومعها كل الأزمات الاقتصادية الكبيرة التي تصاحبها، سواء في الطاقة أم الحبوب أم سلاسل الإمداد أم في نظم ومؤسسات التمويل والنقد الدولية، منحت «بريكس» فرصاً جديدة غير مسبوقة ومساراً مختلفاً عما سلكته طوال أعوامها السابقة.
وقد ترافق هذا الانقسام السياسي – العسكري – الاقتصادي مع تطور انقسام آخر قديم ليصبح حاداً للغاية، جوهره اقتصادي وإن راح يجنح شيئاً فشيئاً نحو المواجهة السياسية – العسكرية، بين الولايات المتحدة والصين.
فقد تداخلت العلاقات السياسية والاقتصادية بين هذين البلدين في ظل الحرب وحالة المقاطعة والعقوبات الأمريكية – الغربية غير المسبوقة على روسيا، لكي تضيف للهاجس الأمريكي الاقتصادي الكبير من الصين هواجس أخرى سياسية وعسكرية، تتعلق بما تراه واشنطن «حلفاً» جديداً في مواجهتها آخذ في التشكل.
ولم تكن الهند بمنأى عن شكوك واشنطن في دعم روسيا، على الرغم من احتفاظها المعلن بالحياد تجاه الحرب المشتعلة، وكان سند هذا بالنسبة لواشنطن هو التطور اللافت في التبادلات التجارية، وخصوصاً في مجال الطاقة بين روسيا والهند فيما بعد اندلاع الحرب.
في ظل هذه التطورات المهمة والجديدة في النظامين الدوليين، السياسي والاقتصادي، راح العالم يتجه بصورة مباشرة وسريعة في اتجاهين: الأول هو تضعضع فكرة العولمة التي رآها البعض في العقود الأخيرة المسار والمصير الوحيدين لمستقبل العالم. وكان الثاني هو التوجه سريعاً نحو تحطيم فكرة القطبية الأحادية لقيادة العالم على المستوى السياسي، واستبدال مؤسسات النظام الاقتصادي العالمي الكبرى والغربية – مثل صندوق النقد والبنك الدولي والدول السبع الكبار وغيرها – بمؤسسات وتجمعات اقتصادية أخرى تكسر هذه الهيمنة الأمريكية – الأوروبية، وتؤسس لنظام اقتصادي دولي مختلف.
والتقطت دول «بريكس» الخمس الخيط الاقتصادي بسرعة ومهارة لكي تسعى لتعميق مجالات التعاون بين أعضائها، وفي الوقت نفسه توسيع أنشطتها وعلاقتها المالية والاقتصادية والتجارية مع عدد أكبر من دول العالم.
ولم تكن دول العالم النامية ومتوسطة النمو بعيدة عن هذا المسعى، فهي قد أرهقت من نماذج التنمية الغربية ومن علاقاتها المضطربة مع مؤسسات التمويل الموروثة منذ الحرب العالمية الثانية والمسيطر عليها أمريكياً وأوروبياً. ولذا، فقد التقى المسعيان في خلق حالة من التفاعل غبر مسبوقة بين عدد كبير من هذه الدول وبين تجمع «بريكس» سواء على مستواه ككيان أم على مستوى التعاون مع كل من دوله.
ولذلك لم يكن غريباً في التقاء المسعيين أن يكون الهدف المباشر هو تدعيم تجمع «بريكس» كمقدمة ضرورية لتأسيس مؤسسات اقتصادية ومالية وتجارية جديدة، في ظل هدف كبير أبعد وهو خلق «نظام اقتصادي دولي جديد». وبناءً على هذا فقد بدا منطقياً أن تنظر قمة «بريكس» الأخيرة في جنوب أفريقيا طلبات انضمام لعضوية التجمع من 23 دولة حول العالم، وأن يشارك هذه القمة قرابة خمسين من رؤساء دول ورؤساء حكومات العالم.
وبقرار التجمع ضم ست دول جديدة لعضويته، وللفخر ثلاث منها عربية هي مصر والإمارات والسعودية، يتسع تمثيله السكاني ووزنه الاقتصادي ومساحته الجغرافية، والذي كان قبل الضم يشمل نحو 25% من اقتصاد العالم وحوالي 40% من سكانه.
ليس هذا فقط، فالمسعى الأبعد للتجمع يبدو أنه أضحى أقرب كثيراً – وإن اكتنفته صعوبات ليست بالهينة – مما كان عليه لدى تأسيسه، وهو صياغة جديدة للنظام الاقتصادي الدولي أكثر تعددية وأقل مركزية وأوسع مشاركة من مختلف دول العالم.