يركز المختصون في العلوم السياسية والتحليل السياسي في تحليلهم لأداء الدول خارجياً وارتباطه بأحوالها الداخلية، على أمرين رئيسيين: الأول هو الارتباط المؤكد في كل الأدبيات السياسية بين الأوضاع الداخلية للدولة وبين علاقاتها وتحركاتها الخارجية مع دول وأقاليم ومنظمات العالم، بحيث إن هناك علاقة طردية بين الاثنين، أي القوة في الأوضاع الداخلية تنعكس في قوة العلاقات والتحركات الخارجية، والعكس أيضاً صحيح.

أما الأمر الثاني، فإن هناك مؤشرات عدة لقياس العلاقات والتحركات الخارجية للدول وبيان مدى قوتها أو ضعفها، ومن بينها ما يسمى «دبلوماسية القمة»، وهي التي يمارسها بنفسه رأس الدولة، وأيضاً مشاركة الدولة على مستوى القمة في المؤتمرات الدولية بمختلف أنواعها وموضوعاتها ومناطقها الإقليمية.

ووفقاً لما سبق ذكره، فإن تطبيق هذين الأمرين على أحوال الدولة المصرية خلال الفترة الأخيرة، يفضي إلى نتائج تبدو أكثر نصاعة وإيجابية بكثير عما يسعى البعض لترويجه وإشاعته عبر وسائل إعلام وتواصل اجتماعي موجهة من خارج مصر، وتابعة في معظمها لجماعة «الإخوان»..

ونبدأ بالأمر الأول المتعلق بالارتباط المؤكد بين الأوضاع الداخلية لمصر وعلاقاتها وتحركاتها الخارجية، ونركز فيه على زاوية أخرى، وهي كيف تقوم الدول التي تقيم مع مصر وتتحرك معها في أطر دبلوماسية، الأوضاع المصرية الداخلية، بما ينعكس بالطبع على علاقاتها معها، فلا شك أن الدول والتنظيمات والمجموعات الإقليمية والدولية تحسب بصورة مدققة طبيعة الأوضاع الداخلية المصرية على كل المستويات، قبل أن تنخرط في علاقات وتحركات خارجية معها.

وتوضح مسارات التحرك الخارجي المصري منذ بداية عام 2022 بصورة جلية مدى نشاط التحركات والعلاقات المصرية الخارجية على عديد من المستويات، ولكي يكون القياس صحيحاً ويؤدي إلى نتيجته المنطقية، فسنكتفي بمشاركات مصر على المستوى الرئاسي في القمم والمؤتمرات الجماعية الدولية والإقليمية خلال هذه الفترة، ومن دون أي تطرق للعلاقات الثنائية المستقرة تماماً لمصر مع ما يزيد على 190 دولة وعشرات من المنظمات الدولية والإقليمية.

ومع استبعاد القمتين العربيتين في الجزائر عام 2022 والسعودية عام 2023، وقمة المناخ «cop 27» التي عقدت بشرم الشيخ في نوفمبر 2023، فمنذ بداية عام 2022 شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مدعواً في عدد كبير للغاية من المؤتمرات والقمم التي تمت في دول غير عربية، أو كانت بعض هذه الدول شريكاً فيها.

ففي فبراير 2022 شارك الرئيس المصري بمدينة بريست الفرنسية في قمة «محيط واحد» المتعلقة بمكافحة التلوث البحري بشتى أنواعه، وفي الشهر نفسه شارك في القمة الأفريقية الأوروبية بالعاصمة البلجيكية بروكسل.

وفي يوليو من العام نفسه، شارك الرئيس في فعاليات «حوار بطرسبرغ للمناخ» في ألمانيا، برئاسة مشتركة بين الجانبين المصري والألماني، كما شارك بالشهر نفسه في قمة جدة للأمن والتنمية، والتي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي مع مصر والعراق والأردن والولايات المتحدة الأمريكية.

وفي شهر ديسمبر، شارك الرئيس في القمة العربية الصينية الأولى، والتي عقدت بالعاصمة السعودية الرياض. وفي ديسمبر 2022 شارك الرئيس المصري بالأردن، في الدورة الثانية لقمة «بغداد للتعاون والشراكة»، والتي حضرها عدد من دول الجوار والدول غير العربية والأوروبية. وفي الشهر نفسه شارك الرئيس بواشنطن في القمة الأمريكية الأفريقية، التي انعقدت بمشاركة 49 من القادة الأفارقة.

وشهد عام 2023 في شهوره التسعة الأولى عدداً آخر من المشاركات المصرية الرئاسية في قمم دولية مهمة. فقد شارك السيسي في شهر فبراير بالقمة العالمية للحكومات في دبي، بينما شارك في شهر يونيو بباريس في القمة الدولية لميثاق التمويل العالمي الجديد.

وشارك الرئيس في شهر يوليو التالي بقمة روسيا – أفريقيا الثانية في سان بطرسبرغ بروسيا الاتحادية، وفي الشهر نفسه دعا الرئيس إلى مؤتمر «قمة دول جوار السودان» والتي عقدت في القاهرة.

وبعدها مباشرة شارك الرئيس، في الدورة الخامسة من قمة منتصف العام التنسيقية التابعة للاتحاد الأفريقي، والتي أقيمت بالعاصمة الكينية نيروبي. وفي نهاية شهر أغسطس الماضي، أوفد الرئيس المصري رئيس مجلس الوزراء دكتور مصطفى مدبولي لقمة تجمع البريكس في جنوب أفريقيا مندوباً عنه، حيث تم ضم مصر مع خمس دول أخرى لهذا التجمع للمرة الأولى.

وتأتي المشاركة الأخيرة للرئيس المصري كضيف شرف في القمة الثامنة عشرة لمجموعة العشرين في الهند، والتي انتهت أمس الأحد، لتكمل هذه السلسلة الطويلة من القمم الجماعية المهمة التي حضرها خارج مصر مدعواً من مجموعة متنوعة من الدول العربية وغير العربية وبحضور دولي متنوع، ولتؤكد على الحضور المصري البارز في المجال الدولي، والذي لم يكن لها أن تحضر فيه بهذه القوة لولا ثقة كل تلك الدول في قدراتها الداخلية على مساندة تحركاتها الخارجية.

 

باحث وكاتب والرئيس الفخري

لاتحاد الصحافيين العرب ...