ربما يذكرنا الحادي عشر من سبتمبر بالهجمات الإرهابية التي طالت نيويورك وواشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 2001، ولكنه أيضاً مناسبة لتذكيرنا بأن الفكر الأصولي المتطرف لا يزال موجوداً بيننا ولا يزال توظيفه من قبل بعض الفئات والجماعات في إثارة العنف والكراهية ضد الآخر قائماً. ولا يمكن إنكار مدى تجذر هذا الفكر بين بعض الفئات ومدى قابلية انتشاره بين بعضهم الآخر ممن لديه القابلية لاستغلال هذا الفكر والاستفادة منه في تحقيق أغراض وغايات خاصة.

وعلى الرغم من أنه لا يمكن احتساب هذا الفكر جديداً على العالم، فقد عرف العالم التطرف والعنف منذ الأزل وتمكنت بعض الفئات من توظيفه والاستفادة منه سياسياً ودينياً ومادياً، إلا أن انتشاره في عالمنا اليوم يثير الكثير من الخوف والقلق، فقد استطاعت الجماعات الإرهابية، مستفيدة من ثورة التقنيات، اختطاف الدين وتوظيفه لخدمة أهداف سياسية ومادية وعقدية. ليس هذا فحسب، وإنما تحقيق مكاسب فئوية من وراء نشر العنف والكراهية والتمييز بين فئات المجتمع.

ويمكن احتساب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 منعطفاً خطراً غير وجه العالم، والسبب أنه طال أقوى قوة على سطح الأرض محدثاً ثورة فكرية هائلة غيرت الكثير من المفاهيم، فمن تبعات تلك الهجمات الإرهابية، الحروب العديدة التي اشتعلت والاختلافات السياسية التي ظهرت وغيرت مسار العلاقات الدولية وخلقت نظاماً دولياً جديداً، ولكن على الرغم من كل ذلك التغير، فإن العالم لم يتمكن حتى الآن من القضاء نهائياً على الإرهاب وتجفيف منابعه أو تقليص الفكر الأصولي والقضاء عليه، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، من المستفيد الأول من نشر الفكر الأصولي وتحويله إلى أداة لنشر العنف وسفك الدماء في العالم أجمع؟ ومن يدفع ثمنه؟ وهل يستطيع العالم عبر تكاتف الجهود القضاء على ذلك الفكر المتطرف وتجفيف منابع الإرهاب والقضاء على خلاياه النائمة؟

عانت عدة مناطق في العالم في شرقيه وغربيه انتشار الفكر الأصولي وما يترتب عليه من عنف وكراهية وبث الفوضى في المجتمع. وقد عانت مجتمعات الشرق والغرب على السواء انتشار الإرهاب، الذي ولد «فوبيا» من الدين وخاصة الإسلام عرفت تحت تسمية «إسلاموفوبيا» فلكي تكتسب الشرعية عمدت تلك الجماعات الإرهابية إلى الخلط المتعمد بين الدين والعنف، لتضفي الشرعية والقبول على عملياتها الإرهابية، إلا أن ذلك الخلط جاء ليخدم أغراض تلك الجماعات والمصالح السياسية والعقائدية التي يريدون تحقيقها، فكثيراً ما جندت تلك الجماعات أشخاصاً ذوي ثقافة بسيطة لتنفيذ تلك الهجمات وزجت بهم في أتون العنف لخدمة الأهداف الكبرى لتلك الجماعات.

وكثيراً ما دفع الأبرياء المدنيون ثمن تلك الهجمات الإرهابية، فالهدف من أي عملية إرهابية إشاعة الفوضى والدمار وخلق نوع من التنافر بين أطياف المجتمع، وحينما يحدث ذلك يتسلل الفكر المتطرف لإيجاد التربة الخصبة التي يترعرع فيها ويخلق أوكاراً جديدة وخاصة بين فئة الشباب المحبطين والراغبين في تغيير حياتهم.

لقد عانت الكثير من دول العالم تبعات الإرهاب وعمدت بعض الدول إلى التوعية بين صفوف الشباب وتحذيرهم من خطر الفكر الأصولي الذي يجد تربة خصبة بينهم، فالشباب متحمسون بطبعهم لتقبل الأفكار الخارجة عن الصندوق، وهو ما تستغله الجماعات المتطرفة. هذا ما يحدث في الدول الشرقية والغربية على حد سواء والتي تعاني كثيراً قضية سهولة تجنيد الشباب في صفوف الجماعات الإرهابية وحماسهم لها.

إن التوعية بخطر الفكر الأصولي المتطرف تبدأ من الأسرة وتمتد إلى المدرسة وربما تمتد لاحقاً إلى دوائر العمل، فعلى الدول تبني استراتيجيات عملية لتمنع وقوع الشباب فريسة سهلة لتلك الجماعات المنظمة، فالشباب سبب ديمومة تلك الجماعات المتطرفة وهم أيضاً وقودها، كما على الدول أن تتشارك في أساليب مقاومة تلك الجماعات المتطرفة وتتبادل البيانات والمعلومات بحكم أن تلك الجماعات تتشارك في الأساليب وطرائق العمليات الإرهابية مع بعضها بعضاً.

إن مشاركة دول العالم بعضها بعضاً في أساليب مقاومة تلك الجماعات الإرهابية وتوعية الشباب لمنع وقوعهم ضحية لها أول خطوة في سبيل القضاء على تلك الجماعات المنظمة كما يأتي القضاء على بعض الآفات الاجتماعية كالفقر والبطالة خطوة أخرى.