ماسك والغواصات.. وسلطة الرجل الواحد

في العام الماضي حاولت غواصات أوكرانية مسيّرة مهاجمة الأسطول الروسي في البحر الأسود.

وفجأة فقدت المسيّرات الاتصال تماماً، وانجرفت إلى الشاطئ من دون أن تتمكن من إتمام مهمتها.

الذي حدث وقتها أن شركة «سبايس إكس» قامت بقطع خدمة إنترنت القمر الصناعي «ستار لينك» عن الغواصات، فأصابتها بالعمى الكامل.

بعد ذلك اتصل الأوكرانيون بالإدارة الأمريكية لإقناع الشركة بإعادة الخدمة، وتواصلوا مع رئيس الشركة بشكل مباشر، وبالفعل وافق الأخير في نهاية الأمر وعادت خدمة الإنترنت، وبالتالي خدمات تحديد الاتجاه والـ «جي بي إس».

السؤال الذي قد يسأله كثيرون هو: من هذا الشخص الذي قطع خدمة الإنترنت عن الغواصات ثم أعادها؟!

هو باختصار إيلون ماسك، مؤسس ورئيس شركة «سبيس إكس»، وهو المالك الجديد لمنصة «تويتر»، التي أصبح اسمها «إكس».

القصة السابقة بأكملها وردت في كتاب صدر يوم الثلاثاء الماضي 12 سبتمبر، ويعتبر سيرة ذاتية لماسك. وطبقاً لصحيفة «واشنطن بوست» التي أوردت هذه التفاصيل في تقرير مساء الجمعة الماضي، فإن السؤال الجوهري الذي يفترض أن يثير قلق الجميع هو ما مدى خطورة اعتماد عدة حكومات على رجل واحد يسيطر على الوسيلة المهيمنة للاتصالات عالية السرعة، مضافاً لها منصة «إكس»، التي يستعملها العالم أجمع تقريبا؟!

وأحد الأسئلة المهمة أيضاً التي يثيرها كتاب السيرة الذاتية الذي كتبه والتر إيراكسون، الرئيس التنفيذي السابق لشبكة CNN، هو مدى النفوذ الذي صار يتمتع به ماسك، والأهم أن منافسيه لم يستطيعوا ملاحقة الوتيرة المتسارعة للابتكار؛ ومن ثم فالتساؤل التالي يتعلق بالتوازن الحساس الذي ينبغي على الحكومات أن تراعيه عندما تبتكر الشركات بطريقة أسرع من منافسيها أو حتى أسرع من الحكومة نفسها.

حينما يقوم شخص واحد بقطع الاتصالات عن جيش بأكمله أو إحدى المهمات العسكرية، فهو أمر يظهر النفوذ الهائل لمنصات الاتصالات المتركزة في يد عدد قليل من الشركات.

ومن المهم أن نتذكر أنه خلال مفاوضات ماسك لشراء «تويتر» فإنه ألمح أكثر من مرة إلى أنه سيدير الشركة طبقاً لقناعاته السياسية، ومنها مثلاً أنه سيعيد حساب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي تم تجميده لأنه خالف شروط التطبيق من وجهة نظر أصحابها السابقين.

هو تحدث أيضاً بصورة غامضة بشأن روسيا لدرجة دفعت البعض للقول إن موقفه من موسكو ليس واضحاً بصورة كافية، خصوصاً عدم إدانته المباشرة والصريحة للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

الخطر في كل هذه القصص والأمثلة السابقة هو أنه حينما يمتلك شخص واحد منصات إعلامية واتصالية شديدة الحساسية والتأثير فإنه قد يسخرها لخدمة أهوائه ومصالحه وقناعاته.

هذه الوسائل لم تكن في مأمن كامل وهي ملك لحكومات ودول وأجهزة كبرى، فما بالكم حينما تكون في يد شخص واحد.

السؤال الذي يفترض أن يقلق الجميع هو: أليس وارداً قريباً أن شخصاً آخر مثل ماسك قد يمتلك مؤسسة كبرى للذكاء الاصطناعي ويقرر في لحظة طيش أن يستخدمها للإضرار بهذه الدولة أو تلك؟!

كل هذه الأمثلة تجعل كثيراً من سكان العالم يضعون أيديهم على قلوبهم خوفاً من قرار طائش يمكن أن يكلف البشرية الكثير والكثير، بل قد يعرضها للدمار الكامل.

 

الأكثر مشاركة