مرت قبل أيام قليلة الذكرى 22 لهجمات 11 سبتمبر 2001، الأكبر في تاريخ الإرهاب الحديث الذي ينسب نفسه أو ينسبه البعض زوراً للإسلام. وعلى قدر هول تلك الهجمات في حينها واستمرار تأثيراتها الكبيرة المتتالية على العالم كله لعدة سنوات، على قدر ما يبدو واضحاً اليوم أن ذكراها راحت تبهت شيئاً فشيئاً في ذاكرة العالم، وأن أجيالاً عديدة من الشباب ولدت إبان الهجمات وبعدها، لا تعرف شيئاً تقريباً عنها. والحقيقة أن التذكير والكتابة عن هذه الهجمات لا يهدف بالقطع لتمجيدها، بل يرمي بصورة واضحة لقراءة ما جرى أثناء تلك السنوات وما يمكن أن يجري في الفترات القادمة، ارتباطاً بجماعات الإرهاب الدولية التي تنسب نفسها أو ينسبها البعض زوراً للإسلام الحنيف.
ووقائع ما جرى يوم الثلاثاء الموافق 11 سبتمبر عام 2001، على مدار 77 دقيقة بدأت من الساعة 8.46 صباحاً بتوقيت الساحل الشرقي للولايات المتحدة، هو أنه تم الاستيلاء على أربع طائرات مدنية كانت تحلق فوق شرق الولايات المتحدة في وقت واحد من قبل مجموعات صغيرة من الخاطفين المجهولين وقتها.
وقد ضربت طائرتان منها البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي في نيويورك، بفارق دقائق قليلة، وبعدها بأقل من ساعة دمرت الطائرة الثالثة الواجهة الغربية لمبنى وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) القريب من العاصمة واشنطن، وبعد هذا بأقل من ساعة تحطمت الطائرة الرابعة في حقل بولاية بنسلفانيا بعد اشتباك بين الركاب والخاطفين، ورجح وقتها أنها كانت في طريقها للهجوم على مبنى الكابيتول (مقر مجلسي النواب والشيوخ) في واشنطن العاصمة. وبالإضافة للانهيار الكامل للبرجين التوأمين، فقد بلغ عدد القتلى في تلك الهجمات 2977 شخصاً، بخلاف خاطفي الطائرات، وآلاف آخرين من الجرحى.
وبعد أيام قليلة، أعلن تنظيم «القاعدة» على لسان مؤسسه وزعيمه حينذاك أسامة بن لادن مسؤوليته عن تلك الهجمات. واتضح في التفاصيل أكثر بعدها، بأن الخاطفين كانوا 19 شخصاً ينتمون للتنظيم وأصولهم كلها من دول عربية، وكانوا قد وزعوا أنفسهم على الطائرات الأربع، بعد التدرب على قيادة الطائرات في مدارس خاصة في الأراضي الأمريكية.
كانت تلك الهجمات الإرهابية الأكبر تاريخياً داخل حدود الولايات المتحدة الأمريكية، ما جعلها محلاً لتقارير رسمية حكومية ومئات من الاجتهادات من محللين وباحثين وإعلاميين حول حقيقة ما جرى، وهو ما لم يتم الإجماع عليه قط بعد كل تلك السنوات. ومع هذا، فإن الأهم هو نتائج الهجمات على السياسة الأمريكية الخارجية وقتها وحتى اليوم، وكذلك المسار الذي دخل فيه تنظيم القاعدة من وقتها.
فقد سارعت واشنطن بعد أقل من شهر على وقوع الهجمات، بغزو أفغانستان مع شريكتها المملكة المتحدة، حيث كان بن لادن وقيادات التنظيم يقيمون هناك إبان حكم حركة طالبان. وتتابعت ردود الأفعال الأمريكية بعدها، فتم قصف بعض المناطق في السودان حيث توجد قواعد للتنظيم، وتم أيضاً غزو العراق عام 2003 وكان من الحجج الأمريكية لهذا، هو الزعم بوجود علاقات للحكم فيه بتنظيم القاعدة.
منذ تلك الهجمات أضحى الإرهاب المنسوب زوراً للإسلام بنداً رئيسياً في السياسات الغربية عموماً والأمريكية خصوصاً، بكل أنواعها، وأفردت هذه الدول طوال السنوات المنصرمة موارد هائلة، مالية وبشرية وعسكرية وأمنية وتكنولوجية، لمواجهته.
وخلال هذه المواجهة، التي شاركت فيها بكثافة وفاعلية عديد من الدول العربية، تطورت أحوال التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «القاعدة»، التي تراجعت أسهمها بشدة وقتل قادتها تباعاً بدءاً من بن لادن، وتفتت إلى تنظيمات أصغر يتواجد معظمها حالياً في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية. إلا أن تراجع «القاعدة» رافقه حلول تنظيم آخر أكثر تطرفاً وعنفاً منه وهو تنظيم «داعش» لبضع سنوات، إلا أنه وفي ظل ما خلقته هجمات سبتمبر 2001 منذ وقوعها من تحركات وتحالفات وخبرات دولية قوية في مواجهة الإرهاب، أدت بدورها إلى إضعاف وهزائم متتالية موجعة لتنظيم «داعش»، الذي انسحب أيضاً إلى مناطق الساحل والصحراء، ليخوض معركة الوجود وإثباته ضد «القاعدة» نفسها.
الخلاصة البسيطة هي أنه بقدر ما كانت هجمات سبتمبر 2001 الحدث الإرهابي الأكبر الموجّه للدولة الأكبر في العالم، وأفضت لسنوات بعدها في تنشيط وتشجيع حالة الإرهاب المنسوب زوراً للإسلام، إلا أنها هي التي أفضت في الوقت نفسه للتعاون الدولي الكثيف والمنظّم في مواجهة هذه الحالة، وهو ما أدى في النهاية إلى هذا التراجع الملحوظ خلال السنوات الأخيرة لهذه الحالة، التي تبدو اليوم مرشحة لمزيد من الضعف والانهيار خلال المستقبل القريب.