الإنجاب خوفاً من الانقراض !

هذا العالم غريب جداً.. دول كثيرة معظمها في العالم الثالث أو النامي تشكو كثرة السكان والأزمات الاقتصادية، ودول معظمها في العالم المتقدم تشكو قلة السكان وتخشى من يوم لا تجد لديها شباباً، بل مجتمع من المسنين غير القادرين على العمل.

ما سبق ليس جديداً، لكن الجديد حدثان مهمان وقعا يوم الثلاثاء الماضي أحدهما أقرب ما يكون إلى الكوميدي، والآخر قد ينتمي إلى النوع المأساوي أو التراجيدي.

الحدث الأول الطريف يخص المليادير الأمريكي المعروف ايلون ماسك وعمره 51 عاماً واستقبل مولوده رقم 11.

هذا الرجل الذي يصفه البعض بأنه غريب الأطوار يقول إنه لن يتوقف عن توسيع عائلته والسبب أن لديه نظرية يطبقها وهي أن الجنس البشري مهدد بالانقراض إذا استمر معدل الإنجاب منخفضاً.

ماسك صاحب منصة «اكس» أو «تويتر سابقاً» وصاحب شركتي «تسلا» و«ستار لينك» وأحد أغنى أغنياء العالم لديه علاقات عاطفية غير واضحة المعالم، والتعبير السابق حسب ما جاء في السيرة الذاتية لماسك الصادرة حديثاً بقلم الكاتب الصحفي والتر ايزاكسون، لكن زوجته الأولى تقول إنه كان يرغب منذ صغره أن يكون أباً، رغم أن علاقته بوالده كانت متدهورة، وذات يوم وصفه بأنه «مهندس الشيطان».

ماسك أنجب معظم أولاده بتقنية التلقيح الصناعي «IVF» والأرحام المستأجرة وبعضهم توائم ثنائية أو ثلاثية، لكن معظم زوجاته يقلن إنه يحب أولاده جداً، ويحرص على قضاء وقت معهم.

هو يقول، «أفعل ما بوسعي كي أساعد في أزمة التناقص السكاني، لأن انهيار نسبة الإنجاب أكبر تهديد للحضارة البشرية على الإطلاق».

ويقول البعض إن سباق ماسك الإنجابي هو الذي يترجم هاجسه من تناقص البشر وبالتالي يطمح إلى نقل الناس في صواريخه للإقامة على كوكب المريخ خلال عشر سنوات كحد أقصى، وبالتالي فهو يسعى حتماً لتأمين عددٍ كافٍ من البشر لهذا المشروع الطموح.

وفي نفس اليوم الذي نشرت فيه تصريحات ماسك كانت وزارة الشؤون الداخلية والاتصالات اليابانية تقول إن نسبة الذين تجاوزت أعمارهم 80 عاماً قد زادت عن 10 % من الشعب الياباني الذي يشيخ بسرعة.

البيانات التي صدرت بمناسبة «يوم احترام المسنين» تقول إن نسبة الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فأكثر يمثلون %29.1 من إجمالي السكان بعدد 36.3 مليون نسمة من إجمالي 124.6 مليون نسمة، وبالتالي فإن اليابان لديها أكبر نسبة من هذه الفئة العمرية عالمياً ويأتي بعدها إيطاليا وفنلندا بنسب %24.5 و 23.6 % على التوالي من بين سكان كل منهما.

ما سبق كان المعلومات الخام، ومن الواضح أن الأمر ليس قاصراً فقط على اليابان وفنلندا وإيطاليا، بل هو سمة عامة وإن كانت بدرجات متفاوتة في العديد من دول العالم المتقدمة خصوصاً في الغرب.

وحتى الصين التي فرضت سياسة «طفل واحد» لعشرات السنين لمواجهة الزيادة السكانية التي وصلت الآن إلى 1.4 مليار نسمة، تحاول جاهدة إقناع سكانها بالتحول إلى طفلين لكل أسرة، بعد أن لاحظت تعود المواطنين على الطفل الواحد، مما يهدد مستقبل البلاد. ونعلم أن الهند صارت الأكبر عالمياً في عدد السكان متفوقة على الصين.

ونعلم أيضاً أن بلداً مثل ألمانيا تحاول جاهدة إقناع مواطنيها بكثرة الإنجاب، لمواجهة الشيخوخة، وحتى لا تصبح رهينة لدى شباب دول أخرى. والمعروف أن ألمانيا تسمح بإدخال شباب أجانب خصوصاً في تخصصات مهمة مثل الكمبيوتر بسبب قلة الإنجاب بين مواطنيها.

في المقابل وعلى العكس تماماً فإن دولاً مثل مصر تشكو من كثرة الإنجاب، إذا صارت نسبة الإنجاب 2.5 % سنوياً أي أكثر من 3 ملايين طفل يولدون كل عام، حتى وصل عدد السكان إلى 105 ملايين نسمة بخلاف أكثر من عشرة ملايين مصري مقيمين بالخارج بصفة مؤقتة أو دائمة.

السؤال: هل زيادة نسبة المواليد وبالتالي السكان أفضل أم أسوأ؟!

الإجابة ببساطة أنه طالما أن نسبة النمو الاقتصادي تساوي ثلاثة أمثال نسبة النمو السكاني، فلا توجد مشكلة وبشرط أن تستمر هذه النسبة أو المعادلة بصفة مستمرة.

الصين نفذت ذلك بصورة أكثر من مثالية ووصلت بنسب النمو الاقتصادي لديها إلى أكثر من 13 %، وهو ما مكنها من تحقيق طفرة اقتصادية عالمية، لكن دولاً أخرى كثيرة لم تتمكن من تحقيق نفس النسبة فتحولت الزيادة السكانية عندها إلى عبء خصوصاً مع تراجع مستوى التعليم وتردي غالبية الخدمات العامة خصوصاً الصحة مع ارتفاع نسبة متوسط الأعمار، وبالتالي تتحول الزيادة السكانية إلى نقمة بدلاً من كونها نعمة.

* رئيس تحرير صحيفة «الشروق» المصرية