كثيراً ما يُضرب بالإمارات المثل أنها أنموذج للحداثة والتقدم في العالم العربي، وأنها دوماً سبّاقة لتبنّي الجديد والحديث في عالم الإدارة ونظم الجودة وأساليب العيش الحديث، فلا غرو أن تصبح رمزاً جدياً للحداثة والتطور في عالمنا العربي.

لم لا وهي السباقة دوماً في تبنّي العديد من الممارسات والتطبيقات الإدارية الحديثة، لدرجة أن القادم إليها يشعر على الفور بأنه فعلاً يعيش في كوكب آخر. الفضل في ذلك يرجع إلى أسلوب دولة الإمارات الجريء في استحداث النظم أو جلبها وفي الاستباقية دون تسرع وبعقلانية شديدة في تبني كل جديد وحديث في عالم الإدارة والنظم الجديدة.

وبينما يتردد البعض، إما خوفاً أو عدم يقين من تبني الجديد، تسارع دولة الإمارات دوماً إلى تبني كل جديد وحديث ثبت جدواه من نظم إدارية وتشريعات وممارسات تضمن الرخاء والراحة والسعادة لأفراد المجتمع، وتضمن أيضاً أن تطبيق تلك الممارسات والإجراءات سوف يكون لصالح الجميع.

لقد أعلنت الإمارات مراراً بأنه لا شيء مستحيل أمام تقدم الدولة ووصولها إلى مصاف الدول المتقدمة في كافة المجالات التقنية والإدارية، والاستفادة مما وصل إليه العلم الحديث والذكاء الاصطناعي من تقدم، كما تعلم علم اليقين بأن المستقبل هو لمن يعمل بجد واجتهاد ويحسب حساب كل خطوة يخطوها.

وقد نجحت دولتنا في مسعاها حتى أصبحت اليوم حاصلة على مراتب متقدمة في مجالات إدارية وعلمية مختلفة وأصبحت النظم الإدارية المتبعة في الدولة من أفضل النظم في العالم، وهي التي أسهمت وتسهم اليوم في اعتلاء الدولة منصات التتويج في مجالات إدارية وتقنية واقتصادية متعددة.

لقد أسهمت القيادة الحكيمة للدولة في وصولها إلى هذه المرتبة عالمياً، وفي حصولها على تقدير عالمي، ربما كان حلماً قبل خمسين عاماً، لكنه اليوم حقيقة بفضل الجهود المخلصة والحثيثة لخلق بيئة صحية يعيش فيها الجميع ويعمل تحت مظلة القانون والعدالة الاجتماعية.

فلم يتوان الجميع: قيادة وشعباً، في تطبيق التجارب الإدارية وتبني أساليب الحياة والعيش المشترك التي تهدف إلى جعل دولة الإمارات مجتمعاً عالمياً منفتحاً على جميع الثقافات والأطياف، بل سارع الجميع إلى احترام الآخر المختلف حتى أصبحت البيئة الإماراتية متميزة بأنها بيئة متعددة الثقافات والخلفيات والأديان. وعلى الرغم مما يسببه ذلك الاختلاف من قضايا جدلية، إلا أن دولة الإمارات سرعان ما تخطت ذلك الجدل واستطاعت بنجاح أن تخلق مجتمعاً عالمياً منفتحاً يعيش في بقعة صغيرة من الأرض بتناغم عجيب تجمعه المصالح المشتركة والعمل لمصلحة الجميع.

وبينما فشلت تجارب عربية في خلق بيئة اجتماعية صحية على الرغم من تجانس تركيبتها السكانية، نجحت الإمارات على الرغم من تعدد الخلفيات، والألسنة، والهويات، والعقائد، في خلق مجتمع عالمي يشار إليه بالبنان، فأصبحت الإمارات هي العالم.

ويرجع ذلك إلى الرغبة الأكيدة في الوصول إلى ذلك المجتمع الفاضل الذي تحدث عنه الفلاسفة والمصلحون ودعت إليه جميع الأديان السماوية. فقد حثنا الله عز وجل في كتابه الكريم على خلق المجتمع الفاضل بقوله: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» صدق الله العظيم، إذاً فالتعايش الذي يشهده مجتمع الإمارات ليس نتاج صدفة، بل هو نتاج ثقافة دينية واجتماعية متوارثة وعمل مؤسساتي قائم ومتواصل للوصول إلى هذه المرحلة من التناغم المجتمعي.

لقد وضعت الإمارات تجربتها وخبراتها أمام العالم العربي وعرضت المساعدة لمن يرغب في الاستفادة من تجربة الدولة في مجال نظم الإدارة أو الجودة، ولم تبخل بمد يد العون لمن يطلب منها المساعدة. فتعميم تجربتها على من يرغب من الدول هو شيء ميز الدولة ومنحها ثقلاً عربياً وعالمياً. فأصبحت دولة الإمارات ليس فقط مُصدراً للخدمات اللوجستية، بل مصدراً أيضاً لنظم الإدارة وأفضل التجارب والممارسات.

لقد حبا الله دولة الإمارات قيادة مدركة لأهمية التواصل والتعايش المجتمعي ودوره في خلق مجتمع منفتح على العالم مفيد للدولة ومحيطها، كما أنها مدركة لدورها في التأسيس لأرضية ثابتة ومستقرة وبيئة صحية يتعايش فيها الجميع على اختلاف مشاربهم وخلفياتهم، في تناغم اجتماعي قل نظيره في العالم. وفي هذه البيئة الاجتماعية ترعرع شعب مدرك لدوره في المجتمع ومسؤولياته المجتمعية.