منتدى إعلام الغد الذي بدأ أمس

مثلما تجتمع دول العالم دورياً تحت مظلة الأمم المتحدة لمناقشة شؤون الكوكب وعرض المشكلات وتشارك الخبرات، يجتمع الأفراد والمؤسسات والكيانات والمنصات الإعلامية تحت مظلة «منتدى الإعلام العربي» لمناقشة شؤون الصناعة الأكثر والأسرع تطوراً في العالم، وعرض ما استجد وما يتوقع أن يستجد في إطار العمل وتشارك الخبرات التي نحن في أمس الحاجة إلى تبادلها.

تبادل الخبرات بين العاملين والمؤسسات الإعلامية على مدار 21 دورة، جعل من هذا المنتدى، الذي يقام تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، إحدى أهم الفعاليات الإعلامية، التي هي وثيقة الصلة بالسياسة والاقتصاد، في العالم وفي المنطقة العربية.

ويكفي أن 21 دورة من الحوار والاستشراف جعلت من هذا المنتدى بوصلة ينظر إليها العرب والعالم باعتبارها كشف حساب للحاضر، وجدول أعمال للمستقبل. مستقبل الإعلام الذي اطلعنا على ملامح رئيسية له قبل أن يبدأ في دورات سابقة للمنتدى يتجسد في جلسات المنتدى هذا العام.

حاضر الإعلام ومستقبله جزء لا يتجزأ من حاضر السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية والتوازنات الإقليمية والمصالح الاستراتيجية وحياة الشعوب ومستقبلها. المسألة لم تعد فقط ضلوعاً للذكاء الاصطناعي في المهنة وتغيير دفتها وتعديل مساراتها وتبديل مكونات رئيسية فيها بأخرى لم تكن على البال أو الخاطر. الذكاء الاصطناعي بات أمراً واقعاً يؤثر في الجميع سواء أكانوا ممانعين أم رافضين أم مرحبين.

الأجدر بنا أن نرحب به، وإن لم يتيسر ذلك فلنفهمه ونؤهل أنفسنا للتعامل والتعايش معه، وحبذا ترويضه بدلاً من أن يقوم هو بترويضنا. وليست مبالغة حين نعتبر كلاً من نادي دبي للصحافة ومنتدى الإعلام العربي المنصة الأولى والأكثر فعالية التي أهلت أهل الإعلام وغيرهم في المنطقة العربية لقدوم الذكاء الاصطناعي وضلوعه في الإعلام، وذلك منذ كان فكرة تثير الدهشة مروراً بأدواره المتغيرة والمتمددة وتطويعه والاستفادة به في العديد من المنصات الإعلامية العربية.

وحين يدير محاور افتراضي النقاش مع معالي عمر سلطان العلماء وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد، ضمن فعاليات المنتدى، ويدور النقاش حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الإعلام، فإن هذا يعني أن الذكاء الاصطناعي قادم وبقوة.

جانب من قوة المنتدى تكمن في قدراته الاستشرافية. الإمكانات الكبيرة التي تنتج عن الثورة الصناعية الرابعة ما زالت في طور الاكتشاف والاستكشاف. وحين تتحدث منى غانم المرّي، نائب الرئيس، العضو المنتدب لمجلس دبي للإعلام، رئيسة نادي دبي للصحافة، عن ضرورة رفع سقف التوقعات في جلسات المنتدى فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، مع عدم اقتصار الاهتمام والتركيز على ذلك نظراً لاستمرار وجود العديد من الهموم والمشكلات الأخرى التي تعترض طريق الإعلام العربي، بالإضافة إلى التغيرات العالمية التي ألقت بظلالها عليه، فإنها تحقق التوازن المطلوب وتؤكد على خصوصية المشهد الإعلامي العربي. فلا مشكلاته سيحلها الذكاء الاصطناعي وحده، ولا تجاهل الذكاء الاصطناعي بات خياراً وارداً.

كما لم يعد وارداً أن يتم تجاهل أو إقصاء شباب المهنة عن المشهد، بل هم في القلب منها، وهو قلب حصري. الحضور الحصري لشباب الإعلاميين في «المنتدى الإعلامي للشباب» – كفعالية تمهيدية للمنتدى - يقول الكثير. فلا يمكن إنكار حقيقة أن الشباب هم الأكثر انفتاحاً وإقبالاً، بل وسعياً للتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي قوامها الحال. وحيث إن هذا المكون ماض في طريقه ليكون المكون والمشكل الرئيسي للإعلام في المستقبل القريب جداً، ولما للشباب من قدرة على الابتكار والإبداع وتسخير الإمكانات لخير صناعة الإعلام ونهوضها، فإن منتداهم جزء لا يتجزأ من منتدى الإعلام العربي.

كما أن إطلاق تقرير الذكاء الاصطناعي والإعلام الخاص بالمنطقة في العالم العربي يعني أنه بات لدى من يرغب في النهوض بالصناعة والمهنة مبادئ توجيهية تتيح التخطيط والعمل من أجل المستقبل، بناءً على علم وأرقام ومعرفة بحال الإعلام اليوم.

حال الإعلام العربي اليوم وغداً وأمس هو جزء من الحال العربي بشكل عام. لذلك فإن المكون ذا الطابع السياسي في أعمال المنتدى يظل جزءاً من المشهد الإعلامي، ومؤثراً فيه ومتأثراً به. تطورات سياسية واقتصادية وأمنية عدة تشهدها المنطقة العربية، وخارطة علاقات جديدة تتكون، وفرص تقارب كثيرة تتشكل، وقدر أكبر من الواقعية والمنطق بات يحكم الأمور. لذلك فإن مناقشة الخرائط والسيناريوهات السياسية، وفي القلب منها تأثير القوى الناعمة عربياً وعالمياً صارت فعالية رئيسية ضمن فعاليات المنتدى.

في دورته الـ 21، صار منتدى الإعلام العربي علامة استرشادية محورية لكل من يعمل أو يهتم بالإعلام العربي. الهموم متشابهة، والتحديات متطابقة، وليس هناك أفضل وأنسب من منصة تتيح تبادل الخبرات وتشارك الهموم وتوفر الظروف المناسبة لعصف ذهني جماعي للخروج بحلول وأفكار تجمع بين الإبداع والمنطق.

الأكثر مشاركة