في مسيرة الدول والأمم يبرز قادة استثنائيون، يتركون بصمات خالدة في أوطانهم وفي وجدان شعوبهم، ويظلون ملهمين للأجيال برؤيتهم النافذة، وحكمتهم العميقة، القيادية، ومبادئهم الإنسانية.

وفي تاريخ وطننا العزيز يحتل القائدان الاستثنائيان زايد وراشد تلك المكانة العالية في ضمير هذا الشعب الوفي. نستحضر اليوم، السابع من أكتوبر ذكرى وفاة باني دبي الحديثة وصانع مجدها العظيم، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، والحديث عن هذه القامة القيادية دائماً يملؤه الفخر والاعتزاز بما أنجزه راشد وحققه لوطنه وأمته.

إذا استحضرت راشداً ذكرت الرؤية والجدية والمتابعة والالتزام، وذكرت معه علو الهمة والمثابرة والعزيمة والإصرار، وذكرت الهيبة والحكمة والوقار.. صفات نادرة لا تتحقق إلا في عظماء القادة وحكمائهم.

كان الشيخ راشد مشاركاً فاعلاً في القرار السياسي والاقتصادي أثناء حكم والده الشيخ سعيد بن مكتوم، رحمه الله، وقد كان حاضراً في المشهدين السياسي والاقتصادي منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وأدى دوراً مهماً في ترسيخ الأمن والاستقرار وتثبيت دعائم الحكم في تلك الفترة.

وعندما تولى الحكم في عام 1958 لم يستسلم للوضع الذي وجد إمارته عليه، من محدودية الموارد المالية والبشرية، وضعف البنية الأساسية، وقلة الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، هذا على الصعيد المحلي، أما على الصعيد الإقليمي، كان هناك الاضطراب الأمني بسبب التيارات الفكرية والصراعات الأيديولوجية التي كانت تعصف بالمنطقة في خمسينيات القرن الماضي وستينياته.

حدد الشيخ راشد أولوياته في مشروع وطني أساسه المواطن وغايته سعادته ورفاهيته، وجعل التنمية بمفهومها الشامل هدفاً لا يحيد عنه، لذا انصرف تماماً عن المزايدات الرائجة، والشعارات الفارغة التي كانت تجتاح الوطن العربي آنذاك، وتوجه بفكره وطاقته وجهده لبناء نهضة وطن أصبح نموذجاً عالمياً يُشار إليه بالبنان، ولم يكن طريق الشيخ راشد في سبيل تحقيق ذلك، معبداً سالكاً، بل كان مليئاً بالصعاب والتحديات، والمثير للإعجاب أنه استطاع تحويل تلك التحديات إلى فرص مذهلة جعلت من إمارته مركزاً اقتصادياً ومالياً مهماً على مستوى العالم، وأصبحت دبي بفضل تلك الرؤية وإنجازاتها من أكثر المناطق في العالم جذباً للاستثمار والعمل.

وعلى الصعيد الاتحادي، كان الشيخ راشد مع أخيه الشيخ زايد، طيب الله ثراهما، أساسيين في تحقيق حلم الوحدة، مشاركين مع الآباء المؤسسين حكام الإمارات في دولة قوية، مضى عليها أكثر من نصف قرن وتزيدها السنون ثباتاً ورسوخاً في الوحدة والتنمية والنهضة الشاملة وقد حظيت دولتنا العزيزة عند تأسيسها بقادة مخلصين حكماء وتحظى في مراحل التمكين والتعزيز بقادة أوفياء لنهج الآباء المؤسسين. رحم الله الشيخ راشد وإخوانه وأجزل مثوبتهم وجزاهم عنا وعن أمتهم خير الجزاء.