إذا لم تكن قد سمعت أن الكاتب الاستثنائي المتخصص في الشؤون المالية مايكل لويس قد أصدر كتاباً جديداً عن صعود وسقوط مؤسس بورصة العملات المشفرة (FTX) سام بانكمان فرايد المتهم بالاحتيال، رجل الأعمال الاستثنائي، فهذا قد يعني أنك لا تقضي وقتاً طويلاً بشكل مفرط على الإنترنت. وبالفعل فقد أحسنت صنعاً.

أما من يفعلون ذلك، فيعرفون أن لويس قد أثار خلال الأسبوع الماضي قدراً كبيراً من الجدل يكاد يماثل قصة المتهم ذاته. ولكن لم يكن الكتاب الذي صدر بالتزامن مع بداية محاكمة سام بانكمان فرايد هو ما أثار الغضب، بل كان مقطع من مقابلة أجراها لويس في برنامج 60 دقيقة على شبكة سي بي إس هو حقاً الدافع للغضب لدى المتابعين للقضية، وأنا أحدهم.

ذكر لويس في حديثه مع المضيف جون فيرتايم في هذا الفيديو: «هذا ليس مخططاً «بونزياً» هرمياً، بل إن سام بانكمان فرايد كان لديه بالفعل عمل عظيم وحقيقي. ولو لم يقم أحد بالطعن في الشركة، ولو لم يتم التهافت على ودائع العملاء، لظلوا يجنون أموالاً طائلة».

موقف لويس كارثي لأن اعتبار مضاربة عملات مشفرة خسر فيها العملاء 8 مليارات دولار من أموالهم «عملاً عظيماً» يعد تقييماً غريباً وخاطئاً، حتى لو كان هذا الإخفاق نوعاً ما بريئاً وعرضياً تماماً.

في حالة أن نكون قد نسينا، فقد أبقت شركة سام بانكمان فرايد على 10 % فقط من التزاماتها في صورة أصول سائلة في اليوم السابق لانهيار الشركة وإفلاسها، وهو ما لم يكن مسموحاً به؛ نظراً لأنها ليست بنكاً. وطبقاً لمعظم الروايات - بما في ذلك من رأى أن رد الفعل على الفيديو على الإنترنت كان بمثابة «إلغاء» للكاتب لويس - فإن فحوى المقابلة يعكس الحجة الواردة في الكتاب.

فحتى لو لم يكن الكتاب بمثابة سيرة ذاتية تقدس لبانكمان فرايد، فمن المؤكد أنه متعاطف معه. وبالفعل، استخدم الكاتب نفس النغمة في البودكاست الخاص به «ضد القواعد مع مايكل لويس»، حيث قال «فكرت كم كان الأمر غريباً.

فقد تحولت شركة بانكمان فرايد بسرعة من هذه المؤسسة التي تحظى بالإعجاب الكبير والسمعة الطيبة إلى تصويرها كمشروع إجرامي ضخم، دون الاستناد إلى قدر وافر من المعلومات الجديدة التي تدلل على ذلك، اللهم إلا حقيقة أن الأموال تم توجيهها إلى المكان الخطأ».

هذا التعليق الأخير يقول الكثير. فمن وجهة نظري، لا أعتبره موقفاً غريباً أن ينقلب هؤلاء الأشخاص الذين أعجبوا حقاً بشركة بانكمان ثم فقدوا الثقة فجأة في الشركة ومؤسسها بمجرد اكتشافهم أنها خسرت 8 مليارات دولار من أموال العملاء.

ولكن الغريب حقاً بالنسبة لي هو أن لويس لا يضع إيمانه فقط في شركة بانكمان، بل إنه مصدق تماماً لقصة العملات المشفرة برمتها. يقتبس كاتب بلومبرج، زيكي فو، الذي أصدر أيضاً كتاباً عن العملات المشفرة، قول لويس له: «عندما تنظر إلى النظام المالي الحالي، ستجد أن نسخة العملات المشفرة أفضل».

لكن كيف وصلنا إلى هذا؟ العملات المشفرة ليست مجرد لعبة صفرية، لا يربح فيها لاعب إلا إذا خسر الآخر؛ بل إن عيوبها الأخلاقية العديدة تجعل محصلتها سلبية. لا يمكن أن نعتبر متجراً مثل منصة بانكمان فرايد، ونشاط العملات المشفرة بشكل عام، تحسيناً للنظام المالي الحالي إلا إذا أردنا تقييم هذا النظام ببساطة على أساس مقدار الأموال التي يتم جمعها في أعلى الهرم.

وهذه رؤية عدمية للدور الذي من المفترض أن تلعبه الأسواق المالية؛ رؤية تتغافل عن الأمور الجوهرية مثل اكتشاف الأسعار، أو تسهيل العرض والطلب على السلع الأساسية اللازمة للحفاظ على أداء الاقتصاد.

ولكنها أيضاً نظرية تعود جذورها إلى عدة عقود، كما يقول مارتن ووكر، مدير الخدمات المصرفية والمالية في مركز الإدارة المبنية على الأدلة، في حديثه لي، موضحاً «بالعودة إلى التسعينيات، بدأت فكرة (السوق الحرة دائماً على حق) أن تصبح عقيدة، ثم تحولت تلك العبارة إلى (النظام المالي دائماً على حق)».

بطريقة ما، ليس من المستغرب أن يتحول لويس، الذي قضى حياته المهنية في توثيق الخدع المالية، نحو هذه القدر البالغ من السخرية من قيمة النظام الذي يرصده.

وفي نهاية المطاف، يبدو أن قسماً كبيراً من عالم المال يعمل بطريقة الكازينو، وأن هناك تقوم على العثور على الثغرات في القواعد الحالية واستغلالها لفترة طويلة إلى أن يتمكن المشرعون من اكتشاف الخديعة.

أعتقد أن بانكمان فرايد، والذي كان في الخامسة عشرة من عمره عندما وقعت الأزمة المالية العالمية، ملتهمة تريليونات الدولارات من الاقتصاد، يمثل محاولة لتعظيم نوع من العدمية المالية التي لا تكترث بأي شيء مطلقاً. في الواقع، نشأت العملات المشفرة نفسها من هذا المنظور.

عالم العملات المشفرة هو ضرب من القمار، حيث يمكن أن تصل عملة مثل «الدوج كوين» التي تم اختراعها على سبيل المزاح إلى «قيمة سوقية» تبلغ حوالي 90 مليار دولار، وحيث يمكن بيع الإيصالات الرقمية لصور مكونة من مجرد وحدات «بيكسل» بعشرات الملايين من الدولارات.

في هذه العالم المزيف، المال ليس أكثر من مجرد مجموعة من الأرقام على الشاشة. وفي هذا السياق، لا أهمية لأن تختفي ثمانية مليارات دولار من هذا العالم؟ الحقيقة، لم يكن هناك أي «عالم» في العملات المشفرة على أية حال.