الوجهة السياحية التي قطعت الشك باليقين

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعض النقاشات السياسية عقيمة ولا يبدو أن الأمر متعلق بنا كعوام الناس. يصف هذا المشهد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بقوله: «على هامش أحد اجتماعات مجلس التعاون في الثمانينات، وبينما كان الوزراء يتناقشون في الأزمات التي تمر بها المنطقة والتحديات التي لا تنتهي..

كنت في منتصف الثلاثينات وكنت أصغر من في الجلسة.. وأكثرهم مللاً من حديث السياسة الذي لا ينتهي.. طلبت الحديث، واقترحت على الوزراء اقتراحاً مختلفاً: لماذا لا نطور مدن الخليج لتكون وجهات سياحية عالمية.. ويمكن أن نبدأ من دبي. اتجهت نحوي الأنظار..

وساد الصمت قليلاً.. قبل أن تقطعه ضحكة أحد وزراء الخارجية الأكبر سناً. ثم قال: ماذا سيجد السياح في دبي ومدننا الخليجية؟ الصحراء! الرمال! الحرارة والرطوبة! ضحك الباقون..

ثم أضفى على حديثه نبرة الخبرة وقال: ثم يا شيخ محمد.. أين الإرث الثقافي والحضاري والتاريخ الإنساني في دبي حتى يزورها الناس، لم أجادله... وإنما أحسست بالحزن لأننا لا نستغل ثرواتنا بشكل أفضل ولا نثق بشبابنا.. ولا نجرب شيئاً مختلفاً غير الذي نعرفه ونألفه!».

ويضيف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «قبل يومين صدر تقرير منظمة السياحة العالمية التابع للأمم المتحدة.. جاءت الإمارات في المركز الرابع عالمياً في إنفاق السياح الدوليين بإجمالي 224 مليار درهم في العام الماضي فقط متفوقة في إنفاق السياح العالميين على دول عريقة مثل فرنسا وإيطاليا وتركيا وألمانيا ولم يسبقنا في الترتيب إلا الولايات المتحدة وإسبانيا وبريطانيا.

قرأت التقرير وتذكرت صديقي وزير الخارجية». انتهى كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في تغريدته.

المفارقة أنه في غضون ذلك الحديث كانت ترتسم ملامح تأسيس طيران الإمارات عام 1985 فبعد أن كانت تتشارك مع البحرين وقطر في طيران الخليج، أصبحت الآن تملك الناقل الوطني الأبرز في العالم، لينقل إلى الإمارات ملايين المسافرين من القارات الست، وأضحت أكبر مشغل لطائرة إيرباص A380 التي تعد أضخم طائرة صُنعت في التاريخ إذ تحمل على متنها نحو 500 راكب.

هي سفينة طائرة بمعنى الكلمة. وقد تخلت عن شرائها ألمانيا لاعتبارات اقتصادية رغم أنها إحدى الدول التي

تصنعها، غير أن الرئيس التنفيذي لطيران الإمارات يقول إن 80 في المئة من عوائدنا تأتي من هذا الأسطول.

وأنا أتأمل التغريدة كنت أنظر من شرفة تلك الطائرة العملاقة التي أقلتني من دبي فلم أرَ نهاية أفق الإمارة والذي يبدو أنه لم يرتسم بعد.

كنت أنظر إلى مركز التجارة العالمي، تذكرت نحو أربع بنايات شهيرة كانت تصطف عند مدخل شارع الشيخ زايد عام 1990، وما وراءها كان صحراء قاحلة، تحولت اليوم إلى لقطات تذكارية تعكس عزيمة مؤسسي هذا البلد. كان يمكن للناظر أن يرى أطلال الجميرا التي تحولت لاحقاً إلى أفضل فنادق الشرق الأوسط وأضحت علامة فارقة تناطح الفنادق العالمية.

عندما كنا في ريعان الشباب في الكويت، كنا نسمع أن الشيخ محمد بن راشد قال ما معناه: لو كان الأمر بيدي لغطيت دبي بالتكييف المركزي. لا أعلم دقة الرواية، لكنها حدثت على أرض الواقع، فقد دشنت الدولة أكبر مساحات داخلية مكيفة في الإقليم كله من أسواق ومطارات ومقاهٍ ومطاعم وأسواق شعبية.

وسيصبح في مقدور الزائر أن يجوب 93 كيلومتراً مشياً على الأقدام أو بدراجته الهوائية في طريق سريع مكيف، ومزروع، ومستدام، يحمل اسم الحلقة أو «ذالوب»، الهدف هو «جعل ركوب الدراجات والمشي وسيلة النقل الأساسية للتنقلات اليومية لأكثر من 80 في المئة من سكان دبي بحلول عام 2040» حسبما أعلنت شركة إيرب URB لمجلة «أريبيان بزنس».

فكرة «الوجهة السياحية» التي لم يتفاعل معها الوزراء العرب كشفت واقعيتها الإحصائيات عام 2022، حيث شكل إسهام قطاع السفر والسياحة في الناتج المحلي الإجمالي نحو 167 مليار أي ما يقارب عُشر (9 %) ما ينتج من سلع وخدمات في الإمارات. وتضاعف حجم الاقتصاد على مدى عقود بصورة مذهلة

كل المؤشرات تشير إلى أن البلاد جادة في الاقتراب من هدفها بالاحتفال في تصدير آخر برميل نفط، بعد أقل من 50 عاماً حسبما أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، حفظه الله.

Email