واحة للاستقرار في زمن المجهول

قد تكون الأسواق المالية أول ما يتأثر بانعدام الاستقرار، فرأس المال جبان، يخاف عدم وضوح الرؤية الاقتصادية، و«في الهريبة أسرع من الغزال». ورؤوس الأموال سريعة في هجرتها من الاقتصادات المتقلبة والمعرضة للحروب أو لعدم الاستقرار، فالاستقرار عامل أساسي لبناء الثقة، التي بدورها تلعب دوراً رئيساً في جذب رؤوس الأموال واستيطانها في اقتصاد دون غيره.

وفي منطقة ملتهبة كالشرق الأوسط، يبرز الاستقرار السياسي والاقتصادي والمالي والأمني، كعوامل أساسية لبناء قطاعات حيوية، والحفاظ على رؤوس الأموال الحيوية لاستمرار النمو.

ومع عودة المجهول للمنطقة والتقلبات الجيوسياسية الحادة، تبرز دول التعاون كمنطقة آمنة، ذات قدرات مالية لدعم القطاعات، واستنباط النمو، حتى في عز الأزمات المالية العالمية. كذلك مع عودة المجهول، تبرز دبي بصفة خاصة، حيث نجحت بعد أزمة «كورونا» في تحقيق توسع اقتصادي قوي مدعوم بنمو سكاني، شكل محركاً رئيساً له، وترافق معه إصلاحات وتسهيلات لدعم مناخ الأعمال. وبحسب مركز دبي للإحصاء، فقد ارتفع عدد السكان 2.4 % على أساس سنوي إلى 3.6 ملايين نسمة، بعد نمو بلغ 5.7 % بين عامي 2019 و2022، وهو ما دعم رأس المال البشري والقطاع العقاري.

بالفعل، فقد سجل اقتصاد دبي نمواً بمعدل سنوي بلغ 2.8 % في الربع الأول من عام 2023، ليسجل قيمة 30.3 مليار دولار، بتواصل لزخم النمو القوي الذي تحقق في عام 2022، عندما توسع اقتصاد الإمارة بنسبة 4.4 %. وبلغت نسبة النمو 3.2 % خلال النصف الأول.

ومقارنة مع النمو المسجل في كبرى الاقتصادات العالمية، يتبين أن نمو دبي تجاوز المعدل البالغ 1.6 % لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فيما سجل نمو الاتحاد الأوروبي نسبة 1.1 %، والاقتصاد الأمريكي 1.8 % في الفترة ذاتها.

وعلى صعيد القطاعات الأنشط، يبرز في دبي قطاع النقل والتخزين، الذي تفوّق على القطاعات الأخرى بنمو بلغ 10.3 %، يليه قطاع الإقامة والطعام بنسبة 5.6 %.

ويعد قطاع النقل والتخزين أكبر مسهم في النمو الإجمالي للإمارة بنسبة 48 %، يليه قطاع الخدمات المالية والتأمين بنسبة 15 %، بالإضافة إلى قطاعات التجارة والخدمات اللوجستية والسياحة. وهي قطاعات تشكل بتطورها السريع قاعدة جاذبة لمزيدٍ من الاستثمارات، كما أنها منصة لتأمين وظائف إضافية تلبية للاحتياجات المتزايدة والمتسارعة للنمو.

إذن، في زمن المجهول وهجرة رأس المال المالي والبشري من الدول التي تتهددها المخاطر الجيوسياسية وانعدام الاستقرار، تبرز بقوة دبي، ودولة الإمارات عموماً في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط، على رأس الخيارات الأفضل والأنسب لحياة آمنة وفرص اقتصادية ومالية واعدة.