يختلف التعامل البشري اختلافاً جذرياً مع ما حولنا من عناصر، بما في ذلك العلاقات بين الأشخاص، فبعض تلك العلاقات تحظى برعاية وصون وحماية فائقة، وأخرى بعيدة كل البعد عنه، وربما يصل الأمر في بعضها إلى إهمال واستنزاف شديدين.

ولو سعينا إلى ترتيب العلاقات الإنسانية ترتيباً تنازلياً من الأقوى إلى الأدنى، لتصدر حنان الأم وعطفها ورأفتها بوليدها بلا منازع أوثق العلاقات بين بني البشر، فلا أقوى من أن يحتفظ أحد طرفي العلاقة بالآخر لتسعة أشهر في أحشائه، ويرتبط معه عضوياً ونفسياً في تكوين متوحد، ليكون الانفصال فيما بعد أشبه بامتداد لقطعة أخرى من ذات الكيان تمشي على الأرض.

ترعى الأم وليدها وتحيطه بالعناية والاهتمام، ويرعى معظمنا علاقات كثيرة، ونوفر لها الكثير من الإمكانات كي تزدهر، وتنمو، وتترعرع وتثمر، وهكذا هي علاقات الأبوة، والأخوة، والصداقة، والحب المتبادل بين العاشقين، وحتى علاقات الأقارب، ودوائر معارفنا المختلفة.

الرعاية هي كلمة السر لجميع العلاقات البشرية، هي الماء والهواء والزاد، وبدونها فإن أي علاقة مهما كانت جذورها ضاربة في أعماق نفوس أصحابها، فإن مصيرها الزبول والفناء.

قد تتعرض بعض العلاقات الإنسانية إلى نكسات في الطريق، غالباً ما تسبقها، لمن يهمه أمر رعايتها، إشارات ودلائل بأن الأمر يستدعي تدخلاً جاداً، وأن القلب، قلب العلاقة، بحاجة إلى ما يساعده على استمرار عمله من أجل تأمين تدفق الدماء عبر الأوردة والشرايين إلى كافة الأعضاء.. من أجل البقاء.

لا تنقطع الدماء عن تدفقها في شرايين العلاقات بين البشر .. ولا يتوقف القلب عادة عن عمله فجأة في العلاقات المتينة، فقط هناك من يخطئون قراءة تلك الإشارات التنبيهية، بأن الرعاية أضحت ضئلة أو محدودة، أو حتى غائبة، رغم الحاجة الماسة إليها.

في المقابل قد يقضي أحد طرفي العلاقة سنوات طويلة من أجل إنعاش قلب العلاقة بعد توقفه، وكلما كانت العلاقة في أصلها أقوى، كلما صعبت.. واستحالت كل جهود إنعاشه بعد هذا التوقف.

فيا من تملكون أحبة.. أشقاء.. أخوة.. أصدقاء مخلصين، تعهدوا ما بينكم بالرعاية، والصون، والحماية.. ولا يغرنكم تجذرها وثباتها، وعنفوانها.. فالإهمال أيضاً كما الحب.. يصنع المعجزات، ولكن على الطرف النقيض، الذي يعني زبول وشائج.. وسقوط أوراق، ما كنت تظنها يوماً تزبل أو تسقط.
فلنكن جميعاً مع أحبتنا كراعي البستان، الذي يبادر برعايته، ويلتفت إلى حالته أولاً بأول، يعطيه فيأخذ منه الثمر الوفير.. ينثر بذوراً ويروي أرضه ويتعهدها بالنماء.. فتكفل له الظل والطرح.