الحياة تعلمنا الكثير، وترتقي أخلاقنا بتعاملاتنا مع بعضنا البعض، والحياة تجارب بمفهومها الصحيح، وفق الأصول والعادات السليمة، وليس كما يفسرها البعض في تجارب لا تغني من الأمر شيئاً، ولا تزيده إلا عسراً وتعباً، فالإنسان، كما ذكر ابن خلدون، مدني بطبعه، يحب التجربة والعلم، ويحب أن ينخرط بالمجتمع، وغيره من المجتمعات المجاورة، فقد يتعلم الإنسان شيئاً من مجتمع مغاير، وكذلك الإنسان من المجتمع المغاير، يتعلم شيئاً من مجتمع الأول، وهذا هو حال الحياة دائماً.
إن للحياة لذة يجب أن يتفكر الإنسان جيداً بكيفية تذوق لذتها، فربما يتلذذ بالحلو منها، فيبقى هائماً في بحر لا رجعة فيه، وربما بالمر منها، فيطاله الأذى من كل فج، فيجب على الإنسان أن يكون متوازناً في كافة ما يريد تجربته في الحياة، وكل شيء في الحياة له طريق لتجربته وفق الأصول والعادات.
العلاقات في أيامنا تجارب، تُعلمنا العديد من المواقف وتكسبنا الكثير من العلم، وخاصة علاقات الصداقة، فالصداقة جوهر كل أساس وتعامل، فمن اغتنم بصديق وضع الله نصب عينيه، فقد ظفر وسلم، ومن اضمحل في مستنقعات الصداقة الفاسدة، خاب وخسر، فالصديق اليوم هويتك في المجتمع، تُعرف به ويعلم الناس عنك ما تجهله من خلاله، صورة تعكس عنك، ويشار لك بالبنان بسببه، ولكن الحذر يكون هنا، هل تكون الإشارة بإيجابية أم سلبية؟، حيث قال الإمام الشافعي – رحمه الله: إذا كان لك صديق يعينك على
الطاعة فشد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب، ومفارقته سهلة. وكن متيقناً بأن من تتخذه صديقاً هو الصادق الصدوق صادق الوعد، وليس من يمكر ويخبث معك بتعامله، تراه صالحاً وهو غير ذلك.
«المجالس مدارس» كما قال أجدادنا، نتعلم من المجالس ما لا نتعلمه في المدارس، العادات العربية الأصيلة وكرم الضيافة، ومنح الضيف حقه، وقيام الواجب في حضوره، تعلمنا من المجالس السمت في النصح وحسن القول والرد والتأدب بآداب الشريعة الإسلامية أولاً، والعادات العربية الحميدة ثانياً، فالمجالس ترسخ علومها في عقل وقلب من يعاشر جلّاسها.
في عملك، تستيقظ كل يوم لتمنح جزءاً من وقتك لوطنك، وخلاله تكسب خبرات جديدة، تتعلم أشياء جديدة، وتكسب مهارات تجهلها سابقاً، وتتعرف إلى أشخاص جدد، منهم زملاء في العمل، ومنهم من يرتقي إلى منزلة الصديق، وهنا تذكر ما ذكرناه سلفاً عن الصداقة، في العمل اليوم تتعامل مع كافة أطياف المجتمع بمختلف طباعهم، ويجب أن يكون لديك تحكم بالغ في تعاملك معهم، حيث ترتقي أخلاقنا بتعاملاتنا مع بعضنا البعض، فتعاملك وردة فعلك في العمل اليوم، تحسب لك أو عليك، فلا تجعلها تُنقل بصورة سلبية، بل اجعل البشاشة في محياك نبراساً لتعاملك مع الآخرين، واخنع لهم، فأنت هنا لخدمتهم.
المنزل يخرّج العديد من الأجيال، منهم الطبيب والضابط والطيار والمعلم والمهندس والقاضي والإداري، وغيرها من المهن والوظائف، تتعلم من المنزل الأخلاق وترتوي مما كسبته من والديك، فالتربية اليوم تلعب دوراً مهماً في تنمية المجتمع وغرس الأخلاق الحميدة في نفوس الأبناء، يبدأ أولاً من التربية ثم المجالس والمدارس، فالتربية الصالحة صلاح كل ابن أو ابنة، فمن المنزل تكتسب الأخلاق، وتشبع الغرائز بالصالح والخير، وتنبذ من خلالها الفاسد والشر.
الذات كلمة لها معاني كثيرة وعظيمة، يجب أن تحترمها حتى تعكس صورتك الحقيقية، فإذا ما استغلتها بالتلون والتغير، فسوف ينكشف يوماً الوجه الذي يخفيه قناع يعكس ما في ذاتك، فمن الذات تجتهد وتصارع نفسك لتنميها، الذات نبتة تستقي من ما تم ذكره سابقاً من العلاقات والمجالس والتربية والمدارس والعمل، ولكن مفصل الأمر يأتي في تكوين ما تم استقاؤه، هل تستثمره بما هو نافع لك أم عكسه؟، وهنا هو التحدي الحقيقي، فمتى ما كنت مستعداً للتغير لتصبح شخصاً خلوقاً خيّراً يريد نفع وطنه، فاعلم أن تكوينك لذاتك سيقوم على أسس الأصول والعادات السليمة النافعة، التي تعرف البشر من خلالها، ولا تكن شخصاً متلوناً وليناً، يأتي ويذهب مع الموج، خذ النافع واترك الضار، واسأل ما إذا التبس عليك أمر في أي شأن، اسأل من تضع ثقتك فيه، ولا تسأل أياً كان، فربما يكون غير مستحقاً للثقة بعد أول موقف لك معه.