على الأرجح، فإن العلاقة الحقيقية والمباشرة بين الحرب والإعلام في زمننا الراهن، قد بدأت مع الغزو الأمريكي - البريطاني للعراق عام 2003.

فقد اهتمت الإدارة الأمريكية حينها، وقبل بدء هذا الغزو وبصورة كثيفة بما راح الإعلام الأمريكي والبريطاني، وبعده الدولي كله، بالتمهيد للغزو بالترويج الإعلامي الموسع حول ما زعم أنه قدرات النظام العراقي العسكرية حينها، على تهديد أمن المنطقة كلها من حوله، بل ووصول هذا التهديد للدول الأوروبية والمصالح الأمريكية حول العالم.

وأضاف الإعلام الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً وقتها وتمهيداً للغزو، ما زعم أنه علاقات مباشرة وقوية تربط بين القيادة العراقية وقيادة تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي هاجم الولايات المتحدة في سبتمبر 2001، وتوزعت عملياته الإرهابية الكبيرة بين عدة مناطق أخرى من العالم.

وعندما بدأ الغزو العسكري الأمريكي – البريطاني للعراق في 19 مارس 2003، حرصت القيادة السياسية والعسكرية الأمريكية للحرب، على أن يكون الإعلام، الأمريكي والبريطاني خصوصاً، جزءاً عضوياً من الحملة العسكرية مرافقاً لها في بداية عملياتها الميدانية، وهو ما دفع للسماح بوجود مئات من الصحافيين والإعلاميين مع القوات المسلحة، ووصلت بعض التقديرات بالعدد إلى نحو ستمئة منهم.

ولا شك أن التمهيد الإعلامي الكثيف والملح والمركز من وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية، ومن ورائها بقية وسائل الإعلام الغربية الأخرى، لأسابيع طويلة قبل بدء الغزو الفعلي، قد أهّل بقوة الرأي العام الغربي خصوصاً، وقطاعات من العالمي منه، لقبول فكرة الغزو العسكري الأمريكي - البريطاني للعراق، والنظر إليه باعتباره ليس فقط الوسيلة الوحيدة لإنقاذ المنطقة والعالم كله من الخطر المزعوم لأسلحة الدمار الشامل، التي روج أن العراق يمتلكها، بل باعتباره أيضاً واجباً أخلاقياً تجاه البشرية، تقدمت القوات الأمريكية والبريطانية للقيام به نيابة عن هذه البشرية.

ولا شك أيضاً أن دور الإعلام قد تفاوت من مرحلة التمهيد لهذه الحرب وأثناء مراحلها، حيث بدأ بعد دخول تلك القوات للعراق بوقت غير طويل، في أداء الدور غير المرغوب به من القيادة السياسية والعسكرية للغزو، ببدء كشفه عن بعض من مجريات الحرب الحقيقية في مختلف مناطق العراق، وخصوصاً عديد من التحركات والتصرفات المنافية لقواعد الحرب والقانون الدولي الإنساني، وخصوصاً في ما يتعلق بالتعامل مع مواطني العراق من المدنيين العزل، سواء في ما يخص استهدافهم عسكرياً، أو ما جرى لبعضهم مما أشار إليه تقرير حديث للجنة الدولية للصليب الأحمر، من أن الجيش الأمريكي اعتقل الآلاف من الرجال والنساء والأطفال في العراق حينها، قدرت نسبة تتراوح بين 70 إلى 90 في المئة منهم بأنه قد تم اعتقالهم بالخطأ.

وكانت «فضيحة» سجن أبو غريب هي الرمز الأكثر انتشاراً في وسائل إعلام العالم حينها لهذه الأوضاع.

ومنذ هذه الحرب وحتى اليوم، بدا واضحاً ومؤكداً في كل العمليات العسكرية والحروب التي عرفتها عدة مناطق من العالم، أن الإعلام بمختلف صوره وأشكاله، قد بات واحداً من أبرز وأهم الأسلحة التي ترافق العمليات العسكرية في ميادين القتال.

وقد تأكدت أهمية «سلاح الإعلام والدعاية»، في الصراعات العسكرية والحروب في فترتنا الأخيرة، مع الاتساع الهائل لما بات يسمى بالإعلام غير التقليدي، والمقصود به بصورة مباشرة، صفحات التواصل الاجتماعي، وتأثيراتها الكثيفة على مليارات البشر المشاركين فيها عبر كل دول العالم.

فقد أضحى الاستيلاء على «مواقع» إعلامية و«مساحات» إقناع وتصديق، و«التقدم» الدعائي في المساحات الإعلامية التي يتمتع فيها «العدو» بالثقة والمصداقية، لتدميرهما والاستيلاء عليها، يحتل أهمية لدى القادة السياسيين والعسكريين لتلك الحروب، بما لا يقل عن أهمية العمليات العسكرية نفسها.

والحقيقة أن هذه الظاهرة لتزايد الاهتمام في الحروب بالترويج الإعلامي لمبرراتها وحقائق أو مزاعم الانتصار فيها، يعكس أمرين مهمين للغاية. الأول، أن كل أطراف الحروب، بما فيها المعتدية، والتي تمارس أحياناً كل ما هو غير أخلاقي ولا بشري، ومخالف للقانون الدولي والإنساني، تظل تخشى وصمها بهذا، وتزعم – وهي بالطبع كاذبة – أنها ملتزمة بما توافقت عليه البشرية من قواعد وقوانين إنسانية لإدارة الحروب.

والأمر الثاني، أن الرأي العام العالمي له أهميته القصوى عند الجميع، فهو المخاطب من أطراف الحروب عبر الإعلام، بمن فيها تلك الأكثر اعتداءً ووحشية وصدماً لحساسية ومشاعر هذا الرأي العام، فهي تسعى إما لتبرئة نفسها لديه من وصمها بالوحشية وتحطيم قواعد الأخلاق والقوانين الإنسانية، أو لكي توجه نفس هذا الاتهام لدى الرأي العام لعدوها.