‏القراءة «تحدي» التعلم المستمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

‏وسط كثافة الأخبار المتجهمة في المنطقة أثلج صدري قراءة خبر فحواه أن «أكثر من 24 مليون طالب وطالبة يشاركون في تحدي القراءة العربي من 46 دولة، و150 ألف مشرف ومشرفة.

كما شاركت 188 ألف مدرسة في سباق جائزة المدرسة الأكثر تميزاً في نشر ثقافة القراءة بين الطلاب والمجتمع المحلي، وشارك أيضاً نحو 22 ألفاً من ذوي الهمم» بحسب «البيان».

‏ ‏أمضيت وقتاً طويلاً من أنشطتي المجتمعية في خدمة مشروعات القراءة منذ أيام عملي النقابي كأحد قيادات قائمة الوسط الديمقراطي في جامعة الكويت وذلك لسبب بسيط وهو إيماني الراسخ بأن القراءة تصقل الفرد، وتقويه، وتأخذه نحو وجهته المعرفية بسرعة قياسية تنافس أقرانه ممن يقلبون الشاشات بحثاً عن فتات ما يُلقى لهم!

‏أتحدى أي شخص يثبت حصيلة ما يتذكره من مواد تعلمها في مقاعد الدراسة، لأن الأمر مرتبط بالذاكرة فما لا نمارسه أو نردده من معلومات يخزن في ذاكرتنا بعيدة المدى، أما من خرج من النظام التعليمي بنعمة «حب القراءة» فقد فاز باللذات كلها لذة العلم، والمتعة، والفائدة.

وقد ثبت أنه حتى التحقق مما نشاهد ونسمع يتطلب عين قارئة فأقوى المصادر مكتوبة، وحتى ما يكتب للشاشة كان في الأصل من مصدر مكتوب على الأرجح، ولذلك تجد القارئ النهم متجدداً دوماً، ويدهشك بمعلوماته، وأفكاره، وسرعة استيعابه، وتفاعله، وفي أحيان كثيرة حسن عرضه.

‏حينما يصبح القارئ متخذاً القرار سيجد لديه قدرة هائلة على فهم المعلومات والتعمق فيها بتدبر. القارئ تجده في النقابات، وبيئات العمل، على الشاشات، متلألئاً بين أقرانه والسر يكمن في أن يومه أفضل من أمسه، بفضل القراءة، ولذلك لا غرابة أن جاءت كلمة «اقرأ» أول مفردة نزلت في القرآن الكريم.

‏ليس ذلك فحسب وإنما أيضاً ثبت أن جهود المجتمعات في تنمية القراءة لا تذهب سدى إذ أجرى علماء في جامعة إدنبرة وكلية كينجز لندن، اختبارات على التوائم مدة عشر سنوات أظهرت لهم أن الشقيق الذي تخطى شقيقه بكمية القراءة قد تفوق بصورة ملحوظة في اختبارات الذكاء العقلي، وتفوق أيضاً في اختبارات الذكاء (غير اللفظية) كالمنطق والاستنتاج.

ونشرت تلك النتائج في مجلة «جمعية تطور الطفل» البريطانية SRCDJ في سنة 2014. هذه النتيجة جعلتني أجد إجابة في أسباب ميل القراء النهمين للموضوعية مقارنة بالعوام الذين تحرك بعضهم عواطفهم الجياشة وما أحوجنا لذلك في عصر تنامت فيه السطحية.

‏ولذلك لا أؤمن بأن الجيل الجديد صار «يعلم أكثر» من أسلافه فما زال عبء الانخراط في تحدي القراءة صعباً على أولئك الذين لم ينشؤوا عليها منذ نعومة أظفارهم، أو لم يحظوا بمنظمة أو مدرسة تقدم لهم القراءة في قالب جميل وعصري ومفعم بالمتعة، والفائدة، والحيوية.

معضلتنا في اللغة العربية محدودية المواد المشوقة وتحديداً الموجهة للشباب فما زالت «كتيبات» القصة العربية تفتقر لعنصري التشويق النصي والإخراجي الذي تنعم به الكتب الأجنبية والأسباب يطول شرحها وحتى لدى الكبار نجد في بعض الموضوعات الحديثة أو العميقة صعوبة في الوصول إلى كتاب يشبع نهمنا.

وإن وجدت علماً من أعلام الأمة لتنهل من سيرته العطرة تجده يتردد في كتابة سطر واحد عن تجربته ناهيك عن وضعها بين دفتي كتاب. وكما قال بنجامين فرانكلين «إما أن تكتب شيئاً يستحق القراءة، وإما أن تفعل شيئاً يستحق الكتابة».

معضلتنا أيضاً، ليست في الشباب، بل بعض الأساتذة في الجامعات والمعلمين يعترفون بأنهم لا يقرؤون كتاباً إطلاقاً!

لدي شواهد عديدة. وقد شهدت عن قرب ما يندى له الجبين في من تصدمك «سطحية» أفكاره، وضيق أفقه، وعدم فهمه أبسط مفردات اللغة العربية التي نسميها «لغة الإعلام» فماذا نتوقع أن يكون حال خريجيهم من الطلبة. إذا كان أستاذ يرقص «ويستهبل» كما يقال بالعامية في تطبيق «تيك توك» ويتباهى بذلك أنه إنجاز، كيف تتوقع أن يكون عمق تأثيره الفكري في طلبته؟!

لم تعد القراءة مجرد هواية بل هي أعمق وأهم لأنها منهج حياة، وطريق التعلم المستمر، الذي لم ولن يخذلك.

يكفي القراءة شرفاً أن المعرفة تزيد بمقدار ما نقرأ.

Email