ليس سهلاً أن أتحدّث عن موضوع يشغل العالم من أقصاه إلى أقصاه من دون أن أبدو منحازاً إلى طرف معين، لكنني إنسان، وأنا أرفض كل مظاهر العنف تجاه البشر أينما كانوا، وهذا ما يجب أن تكون عليه مشاعر جميع البشر.

ولكن يدهشني ما أراه اليوم ضمن الأحداث الدموية التي تشهدها منطقتنا العربية، من تحيّز غربي واضح تجاه ما يحدث، ويزعجني أن أجد ماكينات إعلامية تدور عكس عقارب الإنسانية، وهي تغضّ الطرف عن ضحايا دون غيرهم، وكأن الدم العربي رخيص، وغيره غالٍ، وكأن الأرواح العربية لا قيمة لها، بينما تثقل غيرها بالذهب.

على مدار الأسابيع القليلة الماضية، شاهدنا آلاف الضحايا يدفنون في مقابر جماعية أو أحياء تحت الأنقاض، من دون أن تراهم أعين الإعلام والسياسة الغربية أو تعترف بوجودهم، فهل هذا طبيعي في ظل التقدم التكنولوجي الهائل الذي جعل العالم قرية صغيرة نستطيع أن نعرف كل ما يدور في أزقتها بكبسة زر؟

وهل العالم بالفعل قرية صغيرة كما يدّعون؟

ضمن المنطق العنصري الذي نشهده بأم العين، لا يبدو لي أن العالم واحد، ولا يبدو لي أن ثمّة تقارباً بين الشرق والغرب كما يحاول المسيطرون على العالم إيهامنا، بل هم يثبتون لنا يوماً بعد يوم أن الشرق شرق، والغرب غرب، وأن بوصلة الإنسانية لديهم معطّلة تماماً وتتجه إبرتها إلى حيث يختارون لها الاتجاه.

إنهم يسيرون على مبدأ «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، بمعناه الجاهلي المتخلف البعيد عن روح الحضارة والإنسانية، على الرغم من أن الحق واضح وضوح الشمس، والظلم يسدل أستاره فوق العالم بثقة من يمتلك القدرة القصوى على فعل ما يريد من دون رادع أو وازع من خلق أو ذرة إنسانية.

هكذا تصبح أحداث أوكرانيا -من وجهة نظرهم- أحداثاً مؤسفة ومؤلمة، والدم الأوكراني «النقي، الأزرق» مثل لون أعينهم، يصبح غالياً، ومن المحزن أن يرى العالم نقطة دماء تسيل من غربي، في وقت يغضّ فيه هذا العالم المتباكي على بشر من دون غيرهم، الطرف عن شلالات الدم المهدورة في غزة، وكأن معاقبة شعب بأكمله وإبادته أمر عادي وضمن حقوق الدفاع عن النفس من قبل المعتدي.

وكأن قطع الماء والغذاء والدواء والكهرباء وشبكة الإنترنت أمر طبيعي، وكأن قطع كل سبل الحياة شيء مقبول، وكأن من الإنسانية أن يضطر أب إلى كتابة أسماء أبنائه على أرجلهم كي يتعرف عليهم من يحصون الضحايا.

آلاف القصص المؤلمة القاسية عبرت على بعض الشاشات الإعلامية، وتوارت خلف الكواليس لدى شاشات أخرى تدار بيد القوى المهيمنة على المنظومة الإعلامية الغربية التي توجّه الرأي العام العالمي، وتمارس أبشع الأساليب في غسيل أدمغة البشر.

نحن لا نطلب منهم أن يتعاطفوا مع الضحايا، لا نطلب منهم أن يذرفوا الدموع وأن يقدّموا المساعدات، وأن يقفوا في صف المظلومين، كل ما نطلبه هو أن يوقفوا ماكينة عنصريتهم قليلاً، وأن يقفوا على بعد مسافة واحدة من القضايا الإنسانية، وأن ينظروا إليها بعين المساواة، لأن ازدواج المعايير في القضايا العادلة يثير الاشمئزاز، ويثبت أن العالم الجديد الذي يروّجون له ما هو سوى انعكاس لعالمهم القديم الذي بني على أشلاء الضحايا من مختلف الأجناس والإثنيات والألوان التي لا تشبههم.

اليوم، تتجذّر العنصرية وتتوسع لتشمل الألوان والأعراق واللغات والمناطق الجغرافية، ولتصبح أكثر قسوة وتمييزاً من أي وقت مضى،

فهل يحتاج العالم إلى مانديلا جديد يعيد تعريف الإنسانية والدفاع عنها مثلما دافع عن أصحاب البشرة السمراء؟!

لا يسعنا سوى أن نسأل الله سبحانه أن ينصر المظلومين في كل بقاع الأرض، وأن يكون للظالمين بالمرصاد.