يصادف الثاني من نوفمبر ذكرى رحيل المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وفي هذا العام لا يسعنا إلا تذكر مآثر الشيخ زايد في مجال الاستدامة البيئية، خاصة أن دولة الإمارات سوف تحتضن في نهاية شهر نوفمبر 2023، مؤتمر الأطراف المعنى بالمناخ، الأمر الذي يؤطر لدخول الإمارات مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر.
لقد كانت استدامة الموارد من ماء وزراعة في لب فلسفة الشيخ زايد البيئية، فقد كان المغفور له يدرك أنه يعيش في أرض صحراوية، وأن الحفاظ على الموارد المتاحة من ماء وغذاء وتوفيرها هماً يشغل الجميع. لذا كان من أولويات الشيخ زايد ليس فقط ترشيد استهلاك المياه وإشاعتها لجميع المزارعين، ولكن أيضاً حفر المزيد من الآبار أينما وجدت فرص المياه العذبة وحتى شبه العذبة.
حرص الشيخ زايد كذلك منذ بداية تسلمه مقاليد السلطة في العين، حاكماً على المنطقة الشرقية، على جعل المياه متاحة لجميع المزارعين وبالمجان، وعند تسلمه مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي في العام 1966، حرص الشيخ زايد على حسن توزيع الموارد، وخاصة الأراضي الزراعية على المزارعين، حتى يتسنى لهم زراعتها والاستفادة منها. فلا غرو أن أصبحت الصحراء وفي زمن قياسي جنة خضراء أدهشت المراقبين.
كانت استدامة الموارد الطبيعية، جزءاً من فلسفة الشيخ زايد، فقد حرص كذلك على الاستدامة الثقافية. فقد كان الشيخ زايد مدركاً بأن الزمن كفيل بالتأثير على الثقافة الوطنية المتأصلة حقاً في نفوس الأجيال القديمة، ولكنها في نفوس الأجيال الجديدة قد تقع تحت طائلة التأثر، لذلك كانت من أولويات الشيخ زايد التأكيد على الاستدامة الثقافية ونقل الثقافة الوطنية من جيل إلى آخر دون عوائق، وذلك من خلال التأكيد على أهمية القيم والعادات الأصيلة وضرورة صونها.
وقد نجحت التوعية في الحفاظ على الموروث الأصيل ليس فقط في المتاحف وبيوت الثقافة، ولكن في نفوس الأجيال الجديدة. فأصبحت أجيالنا الجديدة واعية ليس فقط للثقافة الرقمية الجديدة ومتعمقة فيها، بل وللثقافة الوطنية المادية والمعنوية وضرورة الحفاظ عليها.
الاستدامة العمرانية هي وجه آخر من أوجه الاستدامة، فنرى أن الطرز الشعبية تبدو واضحة في الكثير من المشاريع العمرانية الصديقة للبيئة والمشتقة من التراث العمراني المحلي. فالبيوت الخضراء واستخدامات البناء الجديدة ما هي إلا رجوع للبيئة الطبيعية المحلية ومشتقاتها.
كما أن الحفاظ على العديد من البيوتات القديمة وتحويلها إلى متاحف كما حدث في منطقة الشندغة في دبي، هي صورة من صور الاستدامة العمرانية. والأمر المدهش حقاً هو ذلك الوعي المتنامي في كافة الإمارات بضرورة الحفاظ على ما تبقى من أثار عمرانية وصونها وترميمها. فدولة الإمارات تزخر بالعديد من المباني التاريخية الذي يروي لنا كل مبنى فيها قصة مختلفة عن تاريخ الإمارات.
وعلى الرغم من أن الاستدامة في مدلولها الحالي هي مفهوم جديد نوعاً ما، إلا أن الاستدامة في مضمونها هي لب الحياة اليومية المحلية القديمة. فقد أعادت لنا بعض المفاهيم الحديثة مثل إعادة التدوير مثلاً، صورة الحياة اليومية الإماراتية، حيث إن بقايا الطعام تقدم للحيوانات كغذاء، ولم يكن هناك فائض يتم التخلص منه برميه.
فقد عاشت الأسر على الكفاف، ولم يكن مفهوم الوفرة على المستوى الشعبي معروفاً، كما أن العديد من الأسر كانت تعتمد الإنتاج الذاتي الذي يشمل المواد الأساسية كالخبز، واللبن، والتمر، وغيرها، لكن الحداثة جلبت معها العديد من المتغيرات التي لا شك كان لها آثار سلبية على البيئة وعلى أنماط الحياة المعيشية بشكل كبير، ليس فقط في مجتمعنا، ولكن في العالم بأسره.
وتدل الدراسات على أن هناك علاقة كبيرة بين التنمية وبين التأثيرات البيئية الضارة، وهي ضريبة لا شك سوف تدفع ثمنها الأجيال الجديدة إذا ما لم نبادر بتبني الاستدامة بكافة أشكالها.