في الحرب على غزة المستشفيات في قائمة بنك الأهداف بالنسبة لإسرائيل. قصف متواصل لمحيطها وردهاتها وحتى غرف العناية المشددة كما في مستشفى القدس، وهو من أصل ستة وعشرين مستشفى في القطاع توقف أغلبها عن العمل بسبب القصف ونفاد الأدوية والوقود. جرحى في الممرات، عمليات جراحية بلا تخدير وأنين أطفال سال دمهم من رؤوسهم أو ما تبقى من أقدامهم وأيديهم.
هذه المشاهد وغيرها أحبطت الراعي الأمريكي الرسمي لإسرائيل. وقد بدأ التململ الأمريكي من حكومة نتنياهو منذ الأسبوع الثاني من الحرب وفي ضوء عدم تحقيق تقدم على الأرض بموازاة «تقدم» غير مسبوق من الوضع الكارثي في التاريخ المعاصر، حسب الصليب الأحمر.
لقد هبت واشنطن للوقوف بجانب إسرائيل في اليوم الأول من صدمة السابع من أكتوبر. وزار الرئيس بايدن تل أبيب في اليوم الثاني عشر للحرب بعد أن أرسل حاملتي طائرات إلى البحر الأبيض المتوسط قبالة إسرائيل، إضافة إلى شحنات من الأسلحة.
ثم توافد إليها وزير الدفاع لويد أوستن ومدير السي آي أيه وليام بيرنز الذي سعى إلى وقف مؤقت لإطلاق النار للسماح بدخول مساعدات إلى غزة التي قطعت عنها إسرائيل الماء والكهرباء والوقود والغذاء والدواء و..هواء العصر «الإنترنت». أما وزير الخارجية أنتوني بلينكن فلا يكاد يغادر تل أبيب حتى يعود إليها وكأنه مقيم فيها و«يزور» واشنطن.
في ضوء مواصلة القصف الإسرائيلي الذي لم يتوقف على مدن غزة وارتفاع عدد الضحايا المدنيين وبخاصة الأطفال، تزايد التململ الأمريكي تدريجياً وتطور إلى ضغط على نتنياهو.
في البداية أعلنت واشنطن أنها حثت إسرائيل على أن تكون ضرباتها دقيقة وحذرة ثم أعلنت أن نتنياهو ليس لديه وقت مفتوح لإنجاز هدف الحرب وهو القضاء على المقاومة في غزة. لكن نتنياهو «أذن من طين وأذن من عجين» إلى أن فرضت واشنطن ما سمي بالهدن لأربع ساعات بعد أن كان الرئيس بايدن أعلن أنه يسعى لهدنة ليومين أو ثلاثة.
لكن حسابات بايدن تختلف عن حسابات نتنياهو. فالرجل أمامه انتخابات رئاسية بعد عام من الآن. وكما نقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أمريكيين، فإن «الوقت محدود أمام الجيش الإسرائيلي لتحقيق أهدافه في غزة قبل تصاعد الغضب في المنطقة والإحباط في واشنطن». وأن «إطالة أمد الحرب يزيد من عزلة إسرائيل و.. أمريكا».
جاء التغير في الموقف الأمريكي نتيجة تعاطف الرأي العام العالمي غير المسبوق مع غزة لجهة بشاعة المشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام للضحايا المقطعة أوصالهم والمشوهة وجوههم والمحروقة أجسادهم. ولجهة المظاهرات التي عمت معظم عواصم العالم حتى وصلت البيت الأبيض.
التهور الإسرائيلي أحرج إدارة بايدن وبخاصة انفلات وزير التراث في حكومته الذي «اقترح» ضرب غزة بقنبلة نووية كحل لعدم قدرة الجيش على تحقيق هدف الحرب، ما أدى إلى استنكار دولي واسع.
كذلك خرق إسرائيل للقانون الدولي وعدم امتثالها لمناشدات المنظمات الدولية، منظمة الصحة لعالمية، الصليب الأحمر، اليونيسيف، وحتى أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمجرد أنه قال إن «هجوم حماس لم يأتِ من فراغ» في إشارة إلى أن إسرائيل تحاصر غزة منذ ستة عشر عاماً. وطالبه المبعوث الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة بالاعتذار أو الاستقالة!
نتنياهو ووزير حربه غالانت والناطق باسم الجيش يخرجون يومياً، كل على حدة، يوجهون كلامهم للمجتمع الإسرائيلي وبخاصة أهالي الأسرى لطمأنتهم بشأن أبنائهم وأقاربهم. لكنهم لا يقولون شيئاً جديداً عن فشلهم في الهجوم البري والجوي والبحري على قطاع غزة، ويلقون المسؤولية كل على الآخر.
كل ما يقولونه «نحن مصممون على تحقيق النصر ولن نوقف الحرب حتى القضاء على حماس» ويعترفون أنهم يخوضون حرباً صعبة. يقول نتنياهو «لقد طالت الحرب أكثر مما كنت أتوقع»!
إذا واصلت إسرائيل «الحرب الصعبة» فهل تصمد الجبهة الداخلية الإسرائيلية المنقسمة أصلاً بخصوص الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل؟ وهل تحتمل إدارة بايدن المزيد من الخسائر المادية والتسليحية والمجتمعية والانتخابية من أجل حكومة نتنياهو الفاشلة المتهمة بجرائم حرب وإبادة جماعية، وفقاً للقانون الدولي؟