يترقّب العالم اليوم مؤتمر الأطراف «COP28» الذي سيعقد في إكسبو دبي خلال الفترة من 30 نوفمبر حتى 12 ديسمبر 2023، نظراً لما لهذا الحدث العالمي من أهمية في تحديد أساليب أكثر نجاحاً في مواجهة التحدّيات المناخية والحدّ من خطر الاحتباس الحراري الذي أصبح مثل قنبلة موقوتة تتربّص بالبشرية وتنذر بكوارث مدمّرة.
فوفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، سجّلت أربعة مؤشرات رئيسة للتغير المناخي أرقاماً قياسية في الأعوام الأخيرة، هي تركيزات غازات الاحتباس الحراري، وارتفاع مستوى سطح البحر، وحرارة المحيطات، وتحمّض المحيطات، بما يشير إلى تداعيات خطيرة على اليابسة وفي المحيطات والغلاف الجوي، بمعنى أنّنا -نحن البشر- استطعنا التفوّق على أنفسنا في قدرتنا على التدمير.
فدمار البيئة من حولنا يعني أننا في طريقنا لتدمير أنفسنا، لذلك فمن واجبنا أن نعترف بتأثير بصمتنا البيئية، وأن نعمل معاً على توجيه الجهود العالمية نحو قلب موازين الواقع المناخي، وتحقيق تغيير إيجابي وواضح يضمن للأجيال القادمة مستقبلاً نظيفاً ومستداماً.
ضمن هذا الواقع الذي يواجه كوكبنا، نقف متأملين فيما يمكن لكلّ فرد تقديمه للمساهمة في حماية الكوكب، انطلاقاً من السلوكيات البسيطة الصديقة للبيئة، مثل ترشيد استهلاك الطاقة وتقليل التلوّث وتبنّي مفاهيم إعادة التدوير واستخدام أدوات صديقة للبيئة، وغير ذلك من السلوكيات الفردية التي تجتمع في نهاية المطاف لتسهم في إحداث تغيير جماعي إيجابي.
هذا ما تحثّ عليه دولة الإمارات العربية المتحدة التي نفخر بإنجازاتها في مجال حماية المناخ، وتبرز عالمياً بوصفها من الدول الأولى التي تتبنّى سياسات بيئية رائدة تسهم من خلالها في إحداث تحوّل حقيقي في مجال البيئة، ما جعلها جديرة باستضافة (COP28) وقادرة على المشاركة الفاعلة في تعزيز منظومة عالمية متكاملة وشاملة وموحّدة لمواجهة التحدّيات المناخية.
لا يتسع المجال هنا لإبراز محطّات التميّز لمسيرة الإمارات في المجال البيئي، ولعلّ ذكر بعض هذه المحطّات يعدّ كافياً للإشارة إلى جهود الدولة في هذا الإطار، وأبرزها «استراتيجية الإمارات للطاقة 2050» و«المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050» التي تشكّل محرّكاً وطنياً يهدف إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.
أضف إلى ذلك «الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021» التي تضمّنت عدّة مؤشرات لضمان التنمية المستدامة للبيئة وزيادة كفاءة الموارد دون التأثير السلبي على البيئة، بالإضافة إلى 14 مشروعاً يهدف إلى الحدّ من انبعاثات الغازات الدفيئة تحت مظلة مشاريع آلية التنمية النظيفة، حيث يقدّر إجمالي الانخفاض السنوي المتوقع لهذه المشاريع بحوالي مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.
كما تعدّ الإمارات أول دولة في الخليج العربي تستخدم استراتيجية الطاقة المتجددة التي تتضمّن الطاقة النووية والطاقة الشمسية والغاز الطبيعي، وهي تتبنّى سياسات ناجحة فيما يتعلق بالنقل المستدام والاستثمار في الطاقة المتجددة.
إلى جانب ذلك تستضيف الإمارات مقرّ الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «إيرينا»، وتتبوّأ موقعاً عالمياً رائداً في تفعيل مبادرات الطاقة النظيفة، وهي عضو مشارك في العديد من الاتفاقيات والوكالات والمنظمات المعنيّة في البيئة والمناخ مثل «إيرينا» واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ، والمجلس العالمي للطاقة، وشبكة حلول التطوير المستدام، ومجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة حول أهداف التنمية المستدامة، ومجموعة العشرين وغير ذلك.
وبالتأكيد لا يمكن الحديث عن هذا الموضوع بدون الإشارة إلى مبادرة «مصدر» التي تعدّ نموذجاً رائداً على استثمار وتطوير التكنولوجيا في الميدان البيئي، والاستثمار في مجالات الطاقة النظيفة والمتجددة، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، وإدارة ثاني أكسيد الكربون وتحقيق عائد مادي منه، بالإضافة إلى استخدام المياه وتحليتها.
يأتي مؤتمر الأطراف ليختتم «عام الاستدامة» في دولة الإمارات، والذي يحمل شعار «اليوم للغد»، وتؤكّد استضافة الدولة لهذا المؤتمر على موقعها البارز على خارطة الدول المؤثّرة في مجال التغيّر المناخي، ونحن نتطلّع إلى توصيات المؤتمر وما سيقدّمه من حلول مبتكرة للتحدّيات المناخية، آملين أن يسهم في ضمان مستقبل آمن ومستدام للأجيال القادمة.