على النهج الأصيل للمغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، نمضي في المحافظة على البيئة واستدامة مواردها والعناية بمقدراتها، فكان طيب الله ثراه، حريصاً على الزراعة وإيجاد المساحات الخضراء الواسعة في مختلف مناطق الدولة، حتى بات حرصه عابراً للحدود من خلال التبرع لكثير من الدول بالنخيل وغيرها من النباتات لتكوين البيئة الملائمة للإنسان لجني الثمار واستدامة الموارد النباتية والحيوانية، وغيرها التي هي من المكونات الأساسية للبيئة. وهنا نستذكر وقبل عقود من الزمن قصة المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مع بعض المهندسين الذين أتوا من مختلف الدول لدراسة إمكانية زراعة تربة الإمارات، وكان جوابهم بأن التربة في هذه المنطقة غير صالحة، وأجواءها غير مناسبة لنمو النباتات وجني المحاصيل، فكانت لوالدنا زايد، طيب الله ثراه، الحكيم، نظرة مغايرة ثاقبة ورؤية سديدة، حيث أمر بزراعة الأرض وتشجيرها، حتى أصبحت اليوم صحراء الإمارات جنة خضراء وواحة غناء، بجمال زرعها، وبديع منظرها، وأسهمت رؤية والدنا المؤسس وإيمانه بأهمية الزراعة في توفير بيئة مكافحة للمؤثرات المناخية، ونافعة للكائنات الحية.
وقيادتنا الحكيمة تمضي على نهج المؤسس الحكيم، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، ومن تأمل في الإنجازات الحضارية لدولة الإمارات، ونظر في تاريخها المشرق، واستقرأ الأرقام والإحصائيات، سيدرك تمام الإدراك، بأن الإمارات دولة لديها سجل حافل ومتلألئ في مختلف الميادين والملفات، بإسهاماتها الفاعلة تجاه القضايا العالمية لوضع الحلول الجذرية المناسبة التي تصب في مصلحة البشرية كأولوية رئيسية.
واستضافة دولة الإمارات لمؤتمر الأطراف «كوب 28» ثمرة من ثمارها اليانعة وجهودها الغزيرة المتعلقة بملف المناخ واستدامة البيئة الخضراء، المؤتمر الذي اختتم فعاليته مؤخراً، ناقش في طياته مستقبل العمل المناخي، الذي تترقب شعوب العالم قراراته ومخرجاته الإيجابية.
كما أن استضافة الإمارات لهذا المؤتمر ناتج من إيمانها على أهمية توحيد الجهود والرؤى الدولية المشتركة لمواجهة مؤثرات التغير المناخي، وإيجاد الحلول المستدامة لبناء مستقبل مناخي أفضل للجيل الحالي وأجيال المستقبل من خلال صياغة نهج مناخي عالمي يصب في صالح كوكب الأرض وساكنيه.
جهود الإمارات في ملف المناخ محل ثقة وتقدير المجتمع الدولي، بداية من التنسيق بين الأطراف كافة لإنجاح هذه النسخة من مؤتمر المناخ، والتوظيف الإبداعي والمتقن للدبلوماسية الإماراتية المناخية لتحقيق الأهداف التي سعت الدولة إليها من خلال مؤتمر الأطراف، مما نتج عن ذلك مساهمة دولية قدرت بـ 85 مليار دولار لتسهم في استشراف المستقبل المناخي، وإعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تدشين صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، الذي يهدف إلى سد فجوة التمويل المناخي، وتحفيز جمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول العام 2030 في ملف المناخ، وجهود البصمات الإماراتية لم تقف لهذا الحد، وليس لها حدود، فهي وفيرة، وما ذكرته نبذة يسيرة من الجهود العظيمة التي بذلت وما زالت تبذل.
كما أسهم مؤتمر «كوب 28» من خلال جلساته وورشه الهادفة على نشر الوعي البيئي لدى الشباب ومختلف شرائح المجتمع، وشاهدنا مشاركة واسعة وفاعلة من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار من أبناء الوطن ومختلف الجنسيات التي تستمتع بوجودها في دولة الإمارات وبأجوائها الممتعة، وهي فرصة للزوار كذلك للتعرف على القيم الجميلة والعادات الرصينة المستدامة لمجتمع الإمارات، ومن خلال المؤتمر تم إطلاق المبادرات النوعية التي تدعم العمل المناخي من قبل المؤسسات والجهات الحكومية، ويجب الإدراك بأن مسؤولية المناخ مسؤولية مشتركة تبدأ من الفرد مروراً بالأسرة والثقافة العامة المجتمعية وصولاً إلى التعاون الدولي، حتى نحقق ما نصبو إليه من التطلعات المستقبلية والمرجوة تجاه العمل المناخي.
ونثمن جهود رئاسة مؤتمر الأطراف «كوب 28»، وجهود الفرق الوطنية المتواصلة على مدار الساعة لإنجاح هذا النسخة الاستثنائية من المؤتمر، والتي كانت إبداعية بأنامل إماراتية مخلصة، ونثني كذلك على دور الشباب الذي أسهم في إيصال رسائل المؤتمر والقيام بأدوار إشرافية وإدارية ونقل الصورة الحضارية وإبراز الشخصية الإماراتية المتفردة بأخلاقها وسمعتها الطيبة أما الضيوف والزوار، فلهم منا كل تقدير على جهودهم وحسن صنيعهم.
بـ «اتفاق الإمارات» التاريخي يسدل الستار عن مؤتمر الأطراف «كوب 28»، الذي كانت مخرجاته إيجابية على الصعيد العالمي من خلال الإعلانات والتعهدات التي قدمت من خلاله، ولاقى الاتفاق ترحيباً دولياً واسعاً، حيث شاركت وفود 197 دولة بهذا الحدث العالمي المهم، ويؤكد هذا الاتفاق المكانة الدولية لدولة الإمارات، وأنها لاعب رئيسي في بناء منظومة جديدة مستدامة لكوكب الأرض.
وستبقى دولة الإمارات، ملتزمة بمبدأها وهي في طليعة الدول العالمية ماضية بكل عزم بقيادتها الحكيمة وبكفاءاتها الوطنية وبشبابها المبدع نحو المساهمة في إيجاد الحلول في ملف المناخ والملفات الدولية المختلفة، منتهجة الشفافية والوضوح المرونة، تعتمد على التفكير بطرق ذكية وإبداعية ومختلفة غير تقليدية، حريصة على تطبيق أفضل الممارسات العالمية في مجال المناخ واستدامة البيئة وغيرها من القضايا التي تهم الإنسانية.