حول ما ينقص العالم العربي للدفع بالحضارة واستئنافها، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، خلال جلسة سموه الحوارية التي عقدت بدبي بتاريخ (12 فبراير 2017) ضمن القمة العالمية للحكومات: «العالم العربي لديه الإمكانات المطلوبة كافة، الإمكانات البشرية المؤهلة والمتعلمة والأموال، يمتلك الأراضي الخصبة والموارد، والإرادة ولا تنقصه إلا الإدارة، إدارة الحكومات والاقتصاد والموارد البشرية والبنية التحتية، فالإدارة هي أهم العناصر حتى إدارة الرياضة».
انطلاقاً من تشخيص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لأهمية الإدارة في حياة الدول والمجتمعات، يأتي هذا المقال الذي نتناول من خلاله موضوع إدارة الغذاء بناءً على نهج الابتكار، لنجد أن دولة الإمارات العربية المتحدة بشكلٍ عام، وإمارة دبي على وجه الخصوص، أولت إدارة الغذاء أهمية خاصة. الأمر الذي تجسد بإطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، والتي تستهدف تمكين جميع مواطني ومقيمي دولة الإمارات من الحصول على غذاء كافٍ وآمن، ذي قيمة غذائية مناسبة لحياة نشطة وصحية، وبأسعار مقبولة في كافة الأوقات.
تعتمد الاستراتيجية الوطنية على خمسة توجهات، هي: «تسهيل تجارة الغذاء، إنتاج غذاء ممكّن بالتكنولوجيا، الحد من فقد وهدر الغذاء، سلامة الغذاء ونُظُم التغذية، إدارة المخاطر والأزمات الغذائية».
بالمقابل، وعلى مستوى إمارة دبي، تم إطلاق استراتيجية الأمن الغذائي، والتي جاءت متوافقة مع الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، ويمكن توضيح أهدافها كما يلي: «تنويع مصادر الاستيراد، تعزيز الإنتاج المحلي والحد من الفقد والهدر، تعزيز سلامة الغذاء ونظم التغذية، تعزيز قدرة القطاع على مواجهة الأزمات». وركزت الاستراتيجية على تحديد السلع المهمة بناءً على أربعة معايير أساسية تمثلت في: «السلع ذات القيمة الغذائية العالية، أهمية السلعة بالنسبة للمستهلكين، السلع ذات الطلب والاستهلاك العالي والمستمر، السلع التي لا يتوفر لها بديل آخر وتستخدم كمادة أولية لإنتاج أطعمة أخرى».
من المشاريع المهمة، ذات العلاقة بإدارة الغذاء في دولة الإمارات، مشروع وادي تكنولوجيا الغذاء في دبي، الذي أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، المرحلة الأولى منه في (1 مايو 2021)، ويهدف إلى مضاعفة إنتاج دبي الغذائي ثلاث مرات، إذ يمثل مدينة عصرية متكاملة تدمج مفاهيم الإدارة المتكاملة للغذاء ضمن أنشطتها، وتسعى لاستقطاب العقول المُبدعة والشابّة لرسم مستقبل الغذاء.
وقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «وادي تكنولوجيا الغذاء مشروع واحد ضمن مجموعة من مشاريع الدولة المائية والزراعية والغذائية ضمن استراتيجية الأمن الغذائي الوطني»، لافتاً سموه إلى أن: «الغذاء والدواء صناعات استراتيجية لمستقبل أكثر أمناً واستدامة ورخاء لأجيالنا القادمة».
يشكل وادي تكنولوجيا الغذاء منطقة اقتصادية متكاملة تستقطب أصحاب الأفكار الإبداعية الجديدة في مجال توفير الغذاء للمستقبل، وروّاد الأعمال الطامحين إلى إحلال أنماط عالمية جديدة في مجال الإنتاج الذكي للغذاء. كما يمثل المشروع وجهة عالمية، ونقطة التقاء لتبادل الخبرات في كافة تخصصات غذاء المستقبل بين المشاريع الناشئة الواعدة، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة النشطة، والشركات العالمية المتخصصة في الصناعات الغذائية المبتكرة، وسلاسل توريدها المتكاملة، وخدماتها اللوجستية المتطورة.
جدير بالذكر، أن وادي تكنولوجيا الغذاء وقّع مؤخراً اتفاقية مع شركة عالمية للبدء ببناء مزرعة ضخمة على مساحة تربو على 900,000 قدم مربعة، وذلك على هامش مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28). وستكون هذه المزرعة المبتكرة القائمة على مبدأ تحويل النفايات إلى قيمة قادرة على إعادة تدوير أكثر من 50 ألف طن من نفايات الطعام، وزراعة 2 مليار نبتة كل عام.
ختاماً نقول.. في سابقة عالمية، وبناءً على مشروع تحويل النفايات إلى قيمة، سيتم تجميع ست تقنيات تكميلية في موقع وادي تكنولوجيا الغذاء بدبي في إطار بناء نظام دائري مغلق لتحويل النفايات إلى قيمة، مما سيقود إلى إنشاء منظومة بيئية قائمة بذاتها مُصممة لتحقيق أقصى قدر من كفاءة الموارد، ومنع أي هدر عبر تحويله بعيداً عن مكب النفايات.
وسيدعم الموقع المقرر إنشاؤه، والذي سيكون قادراً على استيعاب زراعة أكثر من 3 ملايين كيلو جرام من المنتجات سنوياً، توجهات دولة الإمارات العربية المتحدة الرامية إلى إزالة الكربون من عملية إنتاج الغذاء، حيث سيحل إنتاج هذا المشروع محل ما يصل إلى 1 % من واردات المنتجات الطازجة في الدولة. ومن المقرر أن تبدأ عمليات بناء هذه المزرعة في منتصف عام 2024، مع توقعات بوصولها إلى كامل طاقتها التشغيلية بحلول عام 2026.
هذا وسيتم إعادة تدوير مخلفات الطعام في الموقع بواسطة يرقات ذبابة الجندي الأسود، وسيتم استخدام المنتجات الثانوية بما في ذلك السماد العضوي الناتج في الزراعات التقليدية، وكأعلاف حيوانية لتحل محل طعام السمك غير المستدام، وسيتم استخدام نفايات زيت الصويا والمياه في أبراج الزراعة العمودية. وستعمل التقنيات الموجودة في الموقع أيضاً على استعادة ما يصل إلى 90 % من كبريتات الأمونيا من مياه الصرف الصحي ليتم استخدامها في الأسمدة النباتية، ولإنتاج بوليمرات عضوية قابلة للتحلل مُصممة لإطلاق الماء والمواد المغذية تدريجياً للمحاصيل في المناطق القاحلة.