منذ منتصف ونهايات القرن التاسع عشر خضعت الأغلبية الساحقة من بلدان أفريقيا للاستعمار من قبل عديد من الدول الأوروبية، وإذا كانت فرنسا وبريطانيا هما الأكثر احتلالاً للدول الأفريقية، فقد كانت هناك أيضاً إيطاليا وبلجيكا والبرتغال وإسبانيا وألمانيا، والتي تقاسمت جميعها احتلال القارة السمراء، التي لم يكن فيها مع بدء عشرينيات القرن العشرين سوى قرابة ثلاثة بلدان مستقلة فقط، وليس هناك من شك في أن الدوافع الرئيسية لاستعمار أفريقيا من تلك الدول الأوروبية المتقدمة تمثلت أولاً في نهب الثروات الطبيعية الهائلة، التي احتوتها القارة، وثانياً السيطرة على مسارات التجارة العالمية البحرية والبرية، وثالثاً المنافسة والصراع بين تلك الدول الاستعمارية الأوروبية على النفوذ العالمي، وقد نتج عن تلك الفترات الطويلة العصيبة من الاستعمار أن القارة السمراء قد نُهب كثير من مصادر ثرواتها الطبيعية، وأمعنت قوى الاستعمار في إضعافها واستمرار تخلفها، لتظل مصدراً للمواد الخام والعمالة الرخيصة وسوقاً للمنتجات، وساحة للنفوذ والصراعات بين هذه القوى.
وبعد أن بدأت شعوب أفريقيا نضالها الطويل الشاق نحو الحصول على استقلالها بدءاً من خمسينيات القرن العشرين، وقاد هذا النضال قادة عظام كتبت أسماؤهم في تاريخها بمداد الدم والمجد، سرعان ما تعرضت ثانية لعديد من أشكال الاستعمار الجديد، الذي وضع نفسه في صورة «العلاقات الطبيعية المتساوية»، مع كل ما رافق هذا من انقسامات الحرب الباردة بين القطبين الغربي والشرقي للعالم، الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفييتي، ومرة ثانية بعد استقلالها الأول بدأت مختلف شعوب البلدان الأفريقية تتطلع للاستقرار والتنمية.
في هذه الفترة غير البعيدة، تكالبت القوى الدولية من الغرب والشمال والشرق تحت شعارات التنمية المشتركة، والمساعدات والاستثمار، وفق صيغ متعددة، كان أبرزها (55+1)، وهي الشعارات التي تنافست القوى الكبرى والمتوسطة في أنحاء العالم، لترسيخها في التعامل مع دول القارة الأفريقية مجتمعة.
ورغم الضجيج الكبير، الذي رافق ذلك، فإن الحصيلة الحقيقية بدت هزيلة، فإجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القارة الأفريقية لم تتعد ما تتلقاه دولة واحدة أو مجموعة محدودة من الدول في مناطق أخرى من العالم، ومن نفس تلك الدول، التي تزعم حرصها على تنمية أفريقيا.
فما زال الميزان التجاري لأفريقيا مع دول العالم الأخرى في غير صالح القارة، وما زالت ثرواتها تصدر في شكل مواد خام، وما زالت نسب البطالة في أفريقيا الأعلى في العالم.
وتذكر الأوروبيون أفريقيا عندما تدفقت نحوهم قوافل المهاجرين، خصوصاً غير الشرعيين، تحت وطأة عدم الاستقرار، وانعدام فرص العمل ومحدودية فرص النمو. وبدلاً من توفير الدعم وتيسير الاستثمارات والتجارة مع الدول المصدرة للمهاجرين، فإن كل ما يعني أوروبا هو منع تدفق هؤلاء المهاجرين.
المواقف الأوروبية من القضايا الأفريقية خاصة في حالات الصراع ظلت منقسمة، وبعضها صار مريباً أحياناً. ولعل الانقسام الأوروبي إزاء الوضع في ليبيا يعد مثالاً على مواقف لم تساعد على مكافحة الإرهاب، وإنهاء الانقسامات وفرض الاستقرار من خلال جيش موحد، وجهاز أمن واحد، واستعادة السيادة على كامل أراضي الدولة.
وبدلاً من ذلك انقسمت المواقف الأوروبية بين اللامبالاة والبيانات الغامضة، بل وغض الطرف عن الميليشيات.
لكل هذا فلن تحل مشكلات أفريقيا إلا بأيدٍ أفريقية موحدة معاً، والشعوب الأفريقية هي القادرة دون غيرها على اقتراح الحلول لقضاياها سواء في التنمية أو السلام والاستقرار أو التعامل مع قضايا الهجرة والمناخ والتجارة وغير ذلك، فبتعاونها معاً تستطيع شعوب أفريقيا الانتقال من واقع مأزوم إلى واقع جديد، يحقق آمالها في السلام والاستقرار والتقدم، فالآمال الأفريقية منعقدة على إرادة الشعوب والقادة الأفارقة، ويجب ألا تنتظر أفريقيا الحل من الخارج.