مع تسارع الأحداث في مختلف الملفات التي تهم الإنسانية، وفي ظل التطورات التكنولوجية والأدوات الإعلامية الحديثة، وتقدم وسائل نقل المعلومات بأنواعها، وترامي أطراف المحتوى الرقمي في جميع اتجاهاته في عالمنا الحديث، أصبح البعض لا يمكنه أن يميز بين الأخبار الحقيقية والمغلوطة، لأسباب عدة ومن أشدها خطورة وتأثيراً ما يقوم به الإعلام الموجه من التضليل وفبركة الحقائق من خلال توظيف القنوات والمنصات بهدف تضليل المشاهد والمتابع لاسيما ممن قل وعيه وإدراكه لكسب تعاطفهم وسهولة توجيههم لغايات تخدم أجندات وتوجهات معينة.
وفي واقعنا أصبحت الحرب المعلوماتية في ذروتها وستزداد في المستقبل، ويتفاوت مستوى تأثيرها وحدّته اعتماداً على مستوى الحصانة الفكرية والعلمية والثقافية لدى الأفراد والمجتمعات، وقد ساعد في ذلك وجود الإنترنت والأجهزة الحديثة والاتصالات العابرة للحدود من وسائل التواصل الحديثة والمتطورة التي تسهم في إيصال المعلومات إلى عقول الناس في لحظات وثوانٍ معدودة في مختلف الأقطاب، ومن خلالها تمكن البعض ممن يبثون المعلومات المكذوبة والمغلفة بالشعارات البراقة السيطرة على بعض العقول عن طريق غسلها بالمعلومات المغلوطة، وأصبح من السهل إقناع البعض بها.
من هنا أيها القارئ الكريم، تقع على عاتقك مسؤولية كبيرة من خلال الحرص على رفع مستوى ثقافتك ومهاراتك الذاتية التي تزيدك وعياً وحكمةً تجاه التعامل والتفاعل مع مختلف مصادر التلقي والوسائل الحديثة، ومن الحكمة أن يتحرى المتلقي مصادر الأخبار بدقة، ويعتمد على المنصات والقنوات المرئية والمسموعة والمكتوبة التي عرفت بالمصداقية ونقل الحقائق دون فبركتها، وأن يكون على قدر عالي من الدراية ومدركاً لما يحدث من حوله، وألا يتناقل الأخبار بمجرد وصولها إليه.
من الفطنة والرجاحة العقلية أن يتم إخضاع الأخبار والمعلومات المتناقلة لمعايير التثبت والتمحيص ليتم أثباتها أو نفيها جزئياً أو كلياً، وإذا افترضنا أن الخبر كان صحيحاً، فعلى المتلقي أن يتعامل معه بحكمة ويقف مع نفسه يسألها، هل في نشره فائدة أم لا؟، فالعاقل يحرص دائماً على الخير ولا يأخذ كل ما يقال أو يشاهد بالعاطفة والحماسة، بل نحتاج أن نتعامل مع كافة الأمور بتعقل وحكمة وفطانة.
وللإشاعات والأخبار المكذوبة والمغلوطة آثار ضارة على مستوى الأفراد والمجتمعات من خلال إحداث البلبلة والإضرابات وعدم الاستقرار، وظهور التأويلات المغلوطة واللغط والقيل والقال، وكل ذلك ينتج عن الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا الحديثة وبرامج التواصل الاجتماعي، ويفرح بذلك الأعداء لانهم وجدوا من يحقق أهدافهم دون مشقة وعناء من خلال مساعدتهم في النشر بقصد أو من غير قصد؛ انتبه!!
للأسرة دور بارز في مواجهة المعلومات المغلوطة، بداية من حرص الوالدين على رفع مستواهم المعرفي التكنولوجي، والاطلاع على الوسائل الحديثة ومعرفة إيجابياتها وسلبياتها، ومواكبة مستجدات الوسائل المعلوماتية والتعامل الصحيح معها، بالتالي ينعكس ذلك على الأبناء من خلال زيادة وعيهم الذي يساعدهم في المقدرة على تصنيف المعلومات وتمييز صحيحها من سقيمها.
وتسهم التوعية الوالدية في الحصانة الذاتية لكل فرد من أفراد الأسرة، حتى يكون سداً منيعاً في وجه المعلومات المغلوطة، وحتى يميز بين الأخبار السليمة والمسمومة، وذلك من خلال تتبع وتحري مصادر المعلومات، ومدى مصداقيتها، والآثار المترتبة عليها.
كما أن الفضول غير المنضبط من خلال متابعة القنوات المعلوماتية والنظر الكثير في البرامج المختلفة والمواقع المتعددة، لا سيما المتابعة السلبية العشوائية، فإنها أسباب لسوء الصحة النفسية لدى الفرد وإضاعة الأوقات بلا فائدة، وقد يتولد لدى المتابع مع كثرة متابعته لهذه القنوات التأثر بها والانسياق خلفها فيكون بذلك قد وقع في مصيدة المتربصين ويصبح أداة لتمرير أجنداتهم دون وعي.
فعلينا أن نحرص على متابعة القنوات الرسمية والموثوقة واستقاء الأخبار منها، حتى لا يتلاعب بنا المتربصين والمتصيدين، وينتج عن ذلك محافظتنا على صحتنا النفسية وطمأنينتنا القلبية من خلال المتابعة الإيجابية للوسائل المعلوماتية المختلفة، ومن المهم أن نستثمر أوقاتنا فيما يعود علينا بالنفع ويرتقي بنا، من الجميل أن يبتعد الإنسان عن كل شأن لا يعنيه، وأن يحفظ لسانه عن كل أمر لا يجيد التحدث به، وأن يسخر وقته وطاقته وجهده في الجوانب التي تعود عليه بالخير سواء على نفسه أو أسرته أو مجتمعه، فهنا تكمن السعادة وتتحقق المنافع.