يعد الجانب المالي مؤشراً مهماً وأساسياً في قياس نجاح الدول، وفي التعبير عن المكانة الاقتصادية للمجتمعات. لكن، وعلى الرغم من أهمية القيمة المالية المعبرة عن البعد الكمي، تظهر مسألة التوجيه الرشيد للمال، المعبرة عن البعد الكيفي، وذلك من حيث تأثيرها على جودة الحياة في دولة ما؛ وصولاً إلى بناء وتعزيز واقع الرفاه الاجتماعي الذي يتجسد من خلال معادلة تضم عناصر عدة، مثل الصحة، والتعليم، والأمن، والبنية التحتية، وغيرها من الأمور المرتبطة بتوفير مستلزمات العيش الكريم للأفراد.

تحقيق الرفاه الاجتماعي يعتمد على مرتكزات عدة، من بينها المرتكز المتمثل بجودة الحياة الرقمية الذي سيتم تناوله من خلال مقال اليوم، بالتطبيق على دولة الإمارات العربية المتحدة، مع توضيح دوره في تعزيز الرفاه الاجتماعي، المتمثل في سهولة الوصول إلى البيانات والمعلومات المتعلقة بالخدمات الحكومية، والاستفادة منها بمستوى عالٍ من المرونة، بعيداً عن الإجراءات المعقدة. إلى جانب الاستخدام الآمن لشبكة الإنترنت، خصوصاً إذا ما علمنا أن دولة الإمارات تتصدر دول العالم في معدل استخدام الإنترنت بنسبة تبلغ 98 %، بالإضافة إلى انتشار استخدام الهاتف المتحرك بنسبة تصل إلى 82 %. ويصل متوسط الوقت الذي يمضيه الفرد الواحد على الإنترنت في الإمارات إلى 8 ساعات يومياً، من ضمنها 3 ساعات تمضي على وسائل التواصل الاجتماعي.

الإحصاءات السابقة وردت في التقرير الموسوم: «الابتكار الحكومي لتعزيز الرفاه الاجتماعي»، الذي أعده مركز محمد بن راشد للابتكار الحكومي، بالشراكة مع وزارة تنمية المجتمع، وتضمن سلسلة تقارير متخصصة لرصد الابتكارات الحكومية من مختلف دول العالم.

تم رصد 13 ابتكاراً عالمياً تقود مبادرات الحكومات لتعزيز الرفاه الاجتماعي، وذلك من خلال تصميم السياسات، والاستراتيجيات المستقبلية القائمة على تطلعات الأفراد واحتياجاتهم الصحية، والأسرية، والعلاقات الاجتماعية، والعمل، والبيئة المحيطة بهم، والتعليم.

بالتركيز على تجربة دولة الإمارات، أشار التقرير إلى إنشاء مجلس جودة الحياة الرقمية عام 2020؛ تحقيقاً لغايات تعزيز السلامة الإلكترونية وجودة الحياة الرقمية. من شأن هذا المجلس أن يدعم توجهات الحكومة نحو ترسيخ مبدأ الجودة الشاملة للحياة الذي يركز على الأفراد والمجتمع، وأن يمكن أفراد المجتمع من بناء علاقة سليمة مع وسائل التواصل الاجتماعي، والتقنيات الحديثة.

تتجلى سبل تحقيق أهداف مجلس جودة الحياة الرقمية في تعزيز قدرات الأفراد على التعامل الهادف مع العالم الرقمي، ورفع الوعي المجتمعي حيال التحديات المترتبة عليه، وطرق الوقاية منها، ومواجهتها. كما يتولى المجلس مسؤولية تنسيق السياسات والبرامج والقوانين المتعلقة بالحياة الرقمية؛ من خلال تطوير الاستراتيجيات والبرامج التي من شأنها تعزيز جودة الحياة الرقمية لجميع فئات المجتمع.

من بين مبادرات المجلس لدعم الأسر وأولياء الأمور في حماية الأطفال والشباب، وتعزيز جودة حياتهم الرقمية، تم إطلاق خط المحافظة على جودة الحياة الرقمية، والذي يشكل جزءاً من المبادرات الخمسين للجاهزية الرقمية، وقد جاء متزامناً مع اليوم العالمي للإنترنت الآمن. وهو يعد مبادرة تتعامل مع مستقبل الأمن المجتمعي في العالم الرقمي، في ظل تزايد التحديات الناشئة عن تبني الحلول الرقمية في الحياة اليومية للأفراد والمجتمعات.

وفي عام 2019، أطلقت الإمارات مبادرة «السلامة الرقمية للطفل»، وهي جهد مشترك بين وزارة الداخلية، والبرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة؛ بهدف نشر الوعي بين الأطفال وطلبة المدارس حول التحديات الإلكترونية، وتعزيز الاستخدام الآمن والبناء لشبكة الإنترنت.

تأسيساً على ما سبق من مبادرات، وأرقام، وإحصاءات؛ يتضح أن حكومة الإمارات بذلت جهوداً كبيرة في مجال ضبط وحوكمة الحياة الرقمية. هذا الأمر يؤكد أن للحياة الرقمية دوراً كبيراً ومؤثراً في ترسيخ بنيان الرفاه الاجتماعي، خصوصاً ونحن نعيش في ظل الثورة الصناعية الرابعة التي نتجت عنها تحولات رقمية هائلة، تعبر عن مجالات مهمة لصياغة السياسات العامة وتنفيذها في الوقت الحاضر، وخلال السنوات المقبلة، مثل: «الذكاء الاصطناعي، الطباعة ثلاثية الأبعاد، البيانات الكبيرة، إنترنت الأشياء، الحوسبة السحابية، سلسلة الكتل أو البلوك تشين».