في لغة الأرقام والإحصائيات، دبي أبهرت العالم بمنجزها الحضاري خلال فترة لا تتعدى عدة عقود، وهي اليوم مصممة على المضي في طريق تحقيق الإنجازات على مختلف الصعد.
فعلى الرغم من حصولها على المراتب الأولى في السعادة وفي مؤشرات الأداء الحكومي واحتضانها بنية تحتية أساسية تعد من الأحدث في العالم، إلا أنه في نظر القيادة الرشيدة، دبي ليست أرقاماً وبنياناً وإنما أسر وإنسان.
فإدراكاً من القيادة الحكيمة لأهمية دور الأسرة بوصفها نواة المجتمع، ورغبة منها في تعزيز دورها الاجتماعي بوصفها الوعاء الأول لتربية النشء وغرس الهوية الوطنية، أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، عن أجندة دبي الاجتماعية للسنوات العشر المقبلة مع تخصيص كل الموارد المالية حتى تحقق هذه الأجندة مستهدفاتها.
«الأسرة هي من أهم أولوياتنا» عبارة تحمل في طياتها الكثير من الإشارات الإيجابية التي تهم كل مواطن. فالجميع مدرك أن الأسرة تحتاج إلى الحماية المعنوية والمادية لكي تقوم بالدور المنوط بها.
فتكوين أسرة جديدة من أهم الهواجس التي تهم الشباب، خصوصاً في ظل المتغيرات المادية والقيمية التي يواجهها المجتمع. لذا فتشجيع الشباب على إنشاء أسرة صغيرة ومضاعفة عدد الأسر المواطنة حتى تكون نواة إيجابية في بناء المجتمع من ضمن أولويات الأجندة الاجتماعية.
التحديات التي تواجه الأسرة في منطقتنا كبيرة وقد تعجز الأسرة لوحدها عن مواجهة تلك التحديات والتعاطي معها ما لم تتدخل الدولة وتضع الخطط والاستراتيجيات المناسبة لمواجهة تلك التحديات. وتنقسم تلك التحديات إلى نوعين:
قيميي ومادي. أما التحديات القيمية فيمكن إجمالها في التهديدات التي تواجه الهوية الوطنية والعادات الأصيلة المتوارثة والقيم التي تربى عليها الآباء والأجداد والتي يودون نقلها للأجيال الجديدة. أما التحديات المادية فتتمثل فيما يواجه الشباب من تهديدات كالمخدرات، والعنف، والجريمة المنظمة، والتطرف.
فلا يخفى على أحد أن شبابنا مستهدفون في قيمهم وفي أنماط حياتهم وفي طرائق تفكيرهم لدرجة أنهم أصبحوا هدفاً للكثير من الخصوم والمتربصين. فالسعادة والرخاء الذي يحظون به أصبح مثار حسد الكثيرين. فلا غرو أن تصبح الأسرة الإماراتية هدفاً لكثير من التحديات القيمية والحضارية التي لا تستطيع الأسرة لوحدها مواجهتها دون استراتيجية دفاعية ووقائية مرسومة بإتقان.
لقد حظيت الأجندة الاجتماعية المعلن عنها باهتمام واسع في الأوساط الاجتماعية، خصوصاً بين فئة الشباب الأكثر عرضة لخطر التهديدات الاجتماعية.
فهم المستقبل الذي تركن له الدولة، ومن أجلهم تم وضع الخطط وتبني الاستراتيجيات الاجتماعية. فإذا كان الوطن هو الأسرة الكبيرة، فالأسرة هي الوطن الصغير. فبناء أسرة مواطنة متماسكة هو من أهم مستهدفات الأجندة الاجتماعية.
فحماية الأسرة من خطر التفكك وتوفير أنواع الرعاية الاجتماعية والنفسية لها سوف يكون الحصن الحصين للوطن. فلا شيء أسوأ من أسرة مفككة يقع أفرادها ضحية للأخطار المتربصة بهم كالجريمة والعنف والتطرف والمخدرات وغيرها من الأمراض الاجتماعية التي تفتك بالنشء. ولا فائدة من معالجة تلك الأخطار حين تقع، بل الأفضل توفير سبل الوقاية منها حتى لا تقع من الأساس.
إن أجندة دبي الاجتماعية هي إحدى المبادرات الرائدة التي أعلن عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، وقد عودنا سموه على هذه المبادرات الهادفة دوماً. فحبه لوطنه هو الشغل الشاغل له. فحماية الأسرة وتوفير الرعاية لها إنما ينبع من حب الوطن والرغبة في صيانة منجزه الحضاري.
فالأسرة هي أساس بناء الأوطان، وكلما كانت الأسرة قوية ومتماسكة استطاعت الصمود في وجه رياح التحديات، وكانت كالشجرة الثابتة الممتدة جذورها في أرض الوطن.
كما أن الأسرة القوية تستطيع الصمود والثبات في وجه المتغيرات الحضارية وغرس القيم الإيجابية في نفوس أبنائها وفي تربيتهم التربية الصحيحة، أما إذا كانت الأسرة ضعيفة ومفككة، فهذا يعنى ضياعها، وبالتالي ضياع وطن.