يظن البعض أن الإمارات هي اقتصاد قوي وحركة تجارية نشطة، وموانئ برية وجوية وبحرية تربط ثلثي العالم بعضه ببعض، ولكن المتابع للمشهد اليومي الإماراتي، يرى مشهداً مغايراً.

فالإمارات ليست فقط اقتصاد حر، ولا منطقة تصدير بترول وطاقة، ولا منطقة عبور حضاري، ولكن أيضاً حراك ثقافي، يصل صداه إلى أرجاء العالم. فالحركة الاقتصادية هي جزء مهم من المشهد اليومي في الدولة، ولكن هناك مشاهد أخرى لا تقل ألقاً وقيمة عن المشهد الاقتصادي.

فالمشهد الثقافي اليومي في الإمارات طوال العام، هو مشهد متألق ونشط في كافة جوانبه. فهناك حراك ثقافي متنوع، يحتضن الثقافة المحلية والعربية، وأيضاً العالمية.

فبالإضافة إلى معارض الكتب العالمية، ومهرجانات الأدب والشعر والمسرح والفنون البصرية والسمعية، هناك اهتمام واسع من قيادتنا الرشيدة بالثقافة ومفرداتها. ونظرة واحدة على المبادرات التي تنطلق من الدولة بصورة دائمة، تمكننا من الإلمام بصورة كافية على مدى اهتمام الدولة بالتنمية الثقافية.

فمثلاً، انطلقت من الإمارات قبل سنوات مبادرة تحدي القراءة العربي، والتي جذبت أكثر من 8 ملايين مشارك عربي من كافة أنحاء العالم، الأمر الذي أحدث حراكاً فكرياً وثقافياً، خاصة بين الأجيال الشابة.

العديد من المبادرات العلمية والثقافية الأخرى تنطلق بصورة دائمة من دبي، الأمر الذي يبشر بحراك ثقافي وعلمي قوي. فمنطقتنا غنية بالعقول النابغة، التي تستحق أن يلقى عليها الضوء، وتكرم وتقدم للعالم كجزء من إرثنا الحضاري. فقد انطلقت من الإمارات العديد من الجوائز الكبرى، والتي تهدف إلى تكريم الإبداع والمبدعين.

فمثلاً، انطلقت من دبي مؤخراً مبادرة تكريم نوابغ العرب، وحرصت دبي على تكريم نوابغ العرب في مجالات علمية وأدبية متنوعة، الأمر الذي يبشر بالخير للثقافة العربية عموماً، حتى تلك الموجودة في الغرب. ولم تحرص الدولة على تكريم النوابغ العربية أينما كانوا، بل حرصت على توفير بيئة جاذبة للعقول العربية لكي تبدع في الإمارات.

فقدمت للمبدعين العرب كافة التسهيلات، لكي يأتوا إلى الإمارات ويستقروا ويبدعوا.

ومما لا شك فيه أن العالم أجمع قد بدأ يتوجه، وبشكل كبير، نحو السياحة الثقافية والسياحة المستدامة، والتي تشكل الثقافة جزءاً لا يتجزأ منها.

وتسهم السياحة الثقافية اليوم في الناتج الإجمالي القومي بشكل كبير، الأمر الذي يعزز دورها كرافد مهم للاقتصاد الوطني. وقد اهتمت الإمارات جميعها بهذا النوع من السياحة، حتى غدت المتاحف، مثلاً، تجذب ملايين الزوار سنوياً، الأمر الذي يعزز دور السياحة الثقافية في إثراء المشهد الثقافي الإماراتي.

إن النشاط الثقافي، وإن كان ليس بقوة واندفاع النشاط الاقتصادي، إلا أنه ينبئ بمستقبل باهر، خاصة أن صناع القرار مدركون أهمية الثقافة في رقي المجتمع. إن العالم العربي غني بالعقول المبدعة، التي تستحق أن تقدم للعالم كجزء من ذلك الإرث العربي الإسلامي العريق، الذي ساد العالم في يوم ما. إن الثقافة تعزز حضور الدولة عالمياً، بوصفها وجهة سياحية ثقافية رائعة.

لقد استطاعت دولة الإمارات تأسيس بنية تحتية ثقافية متميزة، واحتضان حركة ثقافية هائلة، من خلال احتضانها للعديد من المواهب والطاقات الإبداعية العربية. وقد أثرى ذلك التوجه الحياة الثقافية والابداعية في الإمارات، وانعكس ذلك في ظهور جيل شاب من كتاب ومفكرين جدد، أثروا الساحة المحلية.

إن الإمارات في ظل استقطاب الطاقات المبدعة العربية والعالمية، على حد سواء، قد حققت نقلة نوعية ثقافية رائدة، لها خصوصيتها في المنطقة العربية.

فمن ناحية، قدمت الإمارات نموذجاً معاصراً في الاهتمام بإحياء الإرث العلمي والفكري العربي والإسلامي، الأمر الذي أعطى تلك الحركة خصوصية وديمومة مهمة في العالم بأسره. ومن ناحية أخرى، فإن الاهتمام بتحفيز الثقافة وتكريم المبدعين، قد ساهم في خلق جيل إماراتي من المبدعين، وحفزهم على المزيد من الإبداع.