النعم غزيرة، ونعمة الأمن والأمان، والاستقرار والاطمئنان في الأوطان من أعظم النعم وأجلها، وهي من أنفس المطالب للأفراد والمجتمعات والدول، وللأفراد في المجتمعات دور كبير في المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار في أوطانهم، من خلال استشعار أهمية هذه النعمة والعناية بغرسها في نفوس الأبناء والبنات والأسرة وأفراد المجتمع كافة، والحرص على الحفاظ على عقولهم من أن تتلوث وتتشرب الأفكار المشؤومة، التي يبثها أصحاب الأجندات الممنهجة ضد الأوطان.

ومما يعكر صفو الأمن والأمان والاستقرار في الأوطان الخطابات والأطروحات المنفلتة غير المنضبطة واللامسؤولة، وهي نوعان: إما أن تكون متشددة وإما منحلة، وكلا هذه الخطابات والأطروحات من مخرجات الانحرافات الفكرية والانزلاقات الحزبية، ويدرك العقلاء مدى خطورة هذه الأطروحات على الأجيال القادمة إن استمرت من دون رادع يردعها، أو نصيحة توقفها عن إفسادها.

وكذلك هناك أطروحات مغلفة باسم الوطنية والدين وتحمل شعارات براقة، وهي في الحقيقة هشة تسعى إلى هدم الأوطان، من خلال النيل من الثوابت والقيم والمبادئ والأخلاق، ومن أخطرها التي تستهزئ بالقيم الدينية والهوية الوطنية وتشكك الناس فيهما، وهذا مهدد خطير، إذ إن القيم الدينية تبين أهمية صون الوطن والمحافظة عليه وعدم الإضرار به وعدم خيانته، وتحث على طاعة ولي الأمر في المنشط والمكره، والوقوف خلفه بالسراء والضراء؛ وهذا لا يعجب الخونة ممن يتبنون «الأفكار الثورية» المتجردون من القيم والمبادئ والأخلاق الذين يسعون إلى ضرب المجتمعات من خلال النيل من ثوابتها، لأنهم يدركون أنه لا يمكن ضرب المجتمع القوي المتلاحم إلا بهذه الطرائق الخبيثة، فعلى العقلاء اليقظة والتفطن لهذه الأطروحات السقيمة التي تسعى لهدم الوطن، ورد باطلها ودحره، وبيان خبثها.

في المقابل هنالك خطابات جميلة وأطروحات رائعة متزنة ومنضبطة تتبنى الوسطية والاعتدال في طرحها، وبها تبنى الأوطان وتزدهر، وتحفظ الممتلكات والمكتسبات، وبها تسمو المجتمعات وترتقي، أطروحات تحث على حب الوطن والذود عن حماه، وتؤكد وترسخ طاعة ولي الأمر، وتغرس في نفوس أفراد المجتمع محبته، وتعزز الترابط المجتمعي واللحمة الوطنية وقيم الخير والألفة، وتغرس المبادئ والأسس القوية التي ترتكز عليها المجتمعات الراقية، وهذا أمر مطلوب بل في غاية الأهمية، لا سيما في وقتنا الحاضر الذي كثر فيه أصحاب الوجوه المتلونة والأقنعة المزيفة ممن يحمل الأفكار المتطرفة، والخطر ليس فقط في الفكر المتشدد، لا بد من التنبه كذلك للفكر المنحل، فكلاهما يهدد الأمن الفكري للأفراد والمجتمعات، والحروب اليوم أصبحت حروب العقول، ومتى ما استنار هذا العقل بالعلم النافع والثقافة المتزنة، كان في مأمن من الانحرافات الفكرية والانزلاقات المظلمة.

ومن الحكمة والفطانة أن يحرص الإنسان دائماً أن يكون خطابه وطرحه بشكل إيجابي، يبني ولا يهدم، يجمع لا يفرق، مبني على الإخلاص والوضوح، يحمل في طياته حب الوطن وصونه من كل أذى، ومن الرجاحة العقلية أن يدرك ويفهم واقعه وأن يوظف الخطاب تجاه ما يعزز الهوية والقيم الوطنية ويرسخ الأخلاقيات والمبادئ السوية، حتى يصبح المجتمع أكثر لحمة وصلابة في مواجهة التحديات المستقبلية.

كما أحث الحكماء والعلماء والمفكرين والكتاب، وكل من يحمل فكراً سوياً وراجحاً، على أن يصونوا عقول أفراد المجتمع، ويكونوا بالمرصاد لمن تسول له نفسه العبث بأفكار العامة من الناس، ويبينوا للناس الصحيح من السقيم بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، لتتم تعرية أصحاب الأفكار والخطابات الملتوية، وأن يبذلوا المزيد من الجهد وألّا يتركوا الساحة للمتربصين، والعقول إن لم تغرس بالأطروحات المفيدة التي تحصنها من الشذوذ الفكري والأخلاقي، فستكون عرضة لأطروحات الفتنة وتمزيق الأوطان، فتنبهوا.